إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [البقرة: 260].
ثم أتى المثل الذى يعالج حب المال، وكيف يكون هذا الحب طريقا أيضا إلى زيادة الفضل والثواب، فقد طبع الإنسان على حب المال، وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ [العاديات: 8]، ولذلك تتحكم فى نفسه شهوة الشح به، والضن عن الإنفاق، وتتحكم فيه الأنانية، والمصلحة الخاصة، فيبخل ويحرم نفسه من ذلك الثواب الذى أعده الله، ووعده به فى دنياه وأخراه.
وقد صورت الآية القرآنية هذه النزعة الشحيحة فى قوله تعالى: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ [محمد:
38].
والإنسان مع هذا الشح والبخل، فقير إلى الأجر والثواب، وبحاجة إليهما، كما هو بحاجة إلى المال، وحاجته إلى الأجر والثواب أكثر، لذلك كانت الدعوة إلى الإنفاق، وما يترتب على ذلك من مضاعفة الأجر فى تلك الصورة المشرقة التى عرضتها الآية القرآنية: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ [البقرة: 261]، فتلك الأموال التى تنفق فى سبيل الله، وفى سبيل مرضاته، لن تضيع هباء، بل ستكون مضاعفة الأجر والثواب حسب قوة الإيمان فى صاحبها، وحسن نيته، وعمق إخلاصه، كتلك الحبة التى بذرت فى أرض خصبة، فتأتى بتلك الغلة المضاعفة.
لا حرج على الله فى أن يضاعف الأجر حتى على الشيء القليل، ففضله واسع الرزق، عليم بنوايا المنفقين، ويعطيهم أجورهم حسب إخلاصهم، ومن يبدأ الطريق فله أجره، وأجر من يستن بسنته، لا ينقص ذلك من أجورهم، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، وليس هناك من عاقل يسمع هذه الدعوة ولا يبادر إلى مصلحة نفسه بالأجر المضاعف فى دنياه، والثواب العظيم فى أخراه، ف لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران: 92]، وكما قيل فى المثل العربى: رب زارع لنفسه حاصد سواه.
فالإنسان الجدير بهذا الاسم لم يخلق لنفسه، وإنما خلق لينفع نفسه وينفع غيره ممن يعيش معه أو يأتى بعده بأوجه النفع العديدة، من مال، وعلم، وخلق، والعمل الصالح