شأن الأمة، ويؤدى إلى نفعها، فهو أمر من الله، وفى سبيل الله، من إعداد جيش، وعتق رقاب، ونشر دين، ومقاومة لظلم، وإنشاء مدارس، وملاجئ، ومستشفيات، ومؤسسات تخدم المجتمع ... إلخ.
إنفاق خالص لوجه الله، لا يحدد بكم، ولا توضع له مقاييس، إلا ما يضعه المؤمن لنفسه، وما يتفق مع رغبته المحبة للخير، المتعاونة على الحق، والقاضية على تلك الرواسب القديمة التى حملها ذلك الجيل من ماضيه، فى أحقاده وكراهيته، والإنسان الذى يبخل بماله أو يكنزه، إنما يؤدى إلى تعطيل الحياة، فالمشروعات التى تخدم المجتمع والكثيرة التكاليف إنما تحتاج إلى مال سائل يساعدها على النهوض والكمال، وحبس المال إنما هو تعطيل لتلك المرافق أن تقوم بدورها، لذلك كانت الآيات القرآنية:
وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ [التوبة: 34، 35].
استجاب المؤمنون لهذه الدعوات، وتلاقت مع نفوسهم وقلوبهم المحبة للخير، والبذل، والعطاء، فكانت تلك النماذج الرائعة من الصحابة الذين بذلوا كل مالهم فى سبيل الله، فقد رأينا عثمان بن عفان، رضى الله عنه، يجهز جيش العسرة من ماله، ورأينا غيره ينفق ماله فى سبيل إطعام الجياع عام الرمادة، ولكن قد تضن بعض النفوس بمالها، وتبخل بالعطاء، فالإنسان خلق قتورا، ولذا فقد فرض الله الزكاة التى تؤخذ من مالهم وترد على فقرائهم بطريقة معينة لا تنقص أبدا، ولا يكمل إيمان الفرد إلا إذا أعطاها وقدمها.
فرضها الله سبحانه وتعالى فى الأموال، والزروع، والثمار، وفى الغنم، والماشية، وفى الذهب، والفضة، وجعل لذلك أنصبة معلومة، وعاقب من قصر فى أدائها، بل لقد حارب أبو بكر الصديق، رضى الله عنه، المرتدين الذين أنفوا أن يخرجوا الزكاة، واعتبروها جزية، حاربهم وقضى على المانعين لها؛ لأنها ركن من أركان الدين، وهى طهرة للمال، تنفى خبثه، وتعين على بناء الحياة والمجتمع، وهى حق للفقراء والمحرومين، لذلك كانت فرضيتها إيذانا ببداية جديدة لمجتمع جديد متماسك، كل فرد فيه له حقوقه قبل الآخرين، وليس لأحد أن ينفرد بشيء لا يعطى حقه للحاكم وولى الأمر.