فإذا كانت النطفة أصل الإنسان، وسر نشأته الأولى، والله قادر على أن يجعل منها إنسانا، فهو قادر على أن يجعل العظم الرميم إنسانا.
استبعد ذلك الكافر إعادة الله ذى القدرة العظيمة، التى خلقت الشمس والقمر، والسماء والأرض، للأجسام والعظام الرميمة، ونسى نفسه الذى خلقه من ماء مهين، وأنه خلقه من عدم، وهو بكل خلق عليم، يعلم العظام فى سائر الأرض، أين ذهبت، وأين تفرقت وتمزقت، يجمعها بعضها إلى بعض، ويبعث فيها الحياة.
فلا مفر من الوقوف بين يدى الله للحساب على الصغيرة والكبيرة التى اقترفت فى الدنيا، فكل نفس بما كسبت رهينة، وعمل الإنسان واعتقاده هما المقياسان الجديران بالتقدير والإكرام، فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُمُّهُ هاوِيَةٌ وَما أَدْراكَ ما هِيَهْ نارٌ حامِيَةٌ [القارعة: 6 - 11].
وقال تعالى فى آية أخرى: يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحامِ ما نَشاءُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئاً وَتَرَى الْأَرْضَ هامِدَةً فَإِذا أَنْزَلْنا عَلَيْهَا الْماءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتى وَأَنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لا رَيْبَ فِيها وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ [الحج: 5 - 7].
فى هذه الآيات استدلال على إمكان البعث، وإحياء الناس من قبورهم بتلك الأدلة المشاهدة بين أيدى الناس من واقع تكوينهم فى بطون أمهاتهم، وتطور حياتهم إلى نهايتها، ومن إحياء الأرض الهامدة بذلك الماء الذى يحييها بالخصب والنماء، فالله قادر على إحياء الموتى، وأن أمر الساعة حقيقة لا يصح أن تكون مجالا لشك أو ريبة، وأن الله يبعث من فى القبور لمحاسبتهم على أعمالهم فى دنياهم التى أحصاها عليهم فى كتاب مبين، ولا يظلم ربك أحدا، ولذلك جاءت الآية الكريمة فى سورة يس: إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ [يس: 12]، لتفيد قدرة الله على إحياء الموتى يوم القيامة، وأن أعمال الإنسان وأفعاله مسجلة عليه فى كتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها، وسيجزى كل إنسان