إليه فى كل وقت وحين، فى سرائه وضرائه، فى صحوه ونومه، فى حركاته وسكناته:
مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَلا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ [الروم: 31، 32].
3 - قال الله تعالى: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْناهُ مِنَّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ [النحل: 75].
جاءت الآيات السابقة لهذا المثل، والممهدة له، توضح حقيقة أولئك الكافرين الذين يؤمنون بالباطل ويكفرون بنعم الله عليهم، والتى تمثلت فى قدرة الله التى جعلت لهم من أنفسهم أزواجا، وجعل لهم من أزواجهم بنين وحفدة، كما رزقهم من الطيبات، وأنعم عليهم بنعم كثيرة من الصحة والمال والعقل، ومع ذلك ألغوا عقولهم وتفكيرهم، فاتجهوا اتجاهات باطلة نحو عبادة ما لا يملك لنفسه نفعا، ولا يدفع عنها ضرا، عبادة أصنام لا تملك من أمرهم شيئا من رزق أو مرض، حياة أو موت، فهى مخلوقات ضعيفة قد حرمت صفة القدرة، والذى لا يملك التأثير فى نفسه لا يملكه فى غيره.
قال الله تعالى: وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَفَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَتِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقاً مِنَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ شَيْئاً وَلا يَسْتَطِيعُونَ فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الْأَمْثالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل: 72 - 74].
وقد أبانت الآيات أن الله جلت قدرته يعلم حقائق ما يأمر به عباده من فعل، وما ينهاهم عنه من باطل، وبيده الأمر كله من نفع وضرر، وحياة وموت، ورزق وفقر، ونصر وهزيمة. والإنسان العاجز المخلوق قاصر عن فهم هذه الحقائق، جاهل بحقيقة نفسه، محتاج إلى الإيمان بخالقه، فكان هذا المثل الذى يوضح تلك الحقيقة الكبرى فى تلك الصورة المأخوذة من حياتهم الواقعية، وأمورهم الاقتصادية، حتى يكون العقل على إدراك كامل بحقيقة الموقف الذى ينحاز إليه.
صورة ذلك العبد الذى فقد حريته وأصبح خاضعا لغيره، ذليلا لمن يتحكم فى رقبته، وجهده، ووقته، فما يجنيه من عمل يحصل عليه سيده، وما يبذله من جهد إنما يذهب ريعه لمن اشتراه ودفع ثمنه، فهو بمثابة البهيمة التى لا تملك الدفاع عن نفسها