رسالة الإسلام تحددت من قبل السماء، وبوحى الله إلى بنى البشر عن طريق خاتم الأنبياء محمد، عليه الصلاة والسلام، فى صنع هذا الأنموذج الرفيع لتلك الأمة التى عبرت عنها الآية القرآنية: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران: 110].
أمة ذابت بينها الفوارق العرقية، والطبقية، واللونية، ولم يبق أمام المساءلة الإلهية يوم القيامة إلا ذلك المبدأ: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [الحجرات: 13]، انصهرت هذه الأمة فى بوتقة الإسلام، فكانت جديرة أن تكون شهيدة على الناس يوم القيامة، وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً [البقرة: 143].
أمة صنعها الله سبحانه بقرآنه المعجز، وبتكاليفه، وأوامره، ونواهيه، فاستقامت شئون الحياة، وصلح أمرها، وأمر معتنقى رسالة الإسلام، والمتبعين لتعاليم الله دون بغى أو عدوان.
عاشت هذه الأمة فى ظل القرآن، وسعدت بعدالة السماء، وتأثرت بأخلاق رسول الله وصفاته، وأخلاق صحابته، وما كان لهم من مجاهدة وجهاد فى سبيل الله، وما ظهر على أيديهم من عدالة وسماحة نبعت من شريعة الله، وعالجت أوضاع الحياة بالاستقامة على النهج والتمسك بالتعاليم، والفهم للغايات.
ثم رانت عليها نومة ثقيلة، بفعل الجهالة التى تحكمت فى العقول، والذلة التى هيمنت على النفوس، والتواكل الذى أضاع جوهر التوكل، والدسائس التى حيكت ضد الدين وأهله من داخل البلاد وخارجها، ومن الاستعمار الذى بسط سلطانه بالقهر والعدوان على مقدرات هذه الأمة وعلى مقدساتها، وعلى كل من نطق بالضاد، ومن الفرقة التى أصابت جسم هذه الأمة، فتفشى داء الانقسام بين أطرافه حتى غدا أوصالا ممزقة، وفرقا شتى، وشيعا وأحزابا، يحارب بعضها بعضا، وتولى زمام الأمر فيها إما جاهل أحمق، وإما مستبد غاشم، وإما عبد لشهوات نفسه ورغائبها، وهكذا أصبحت الأمة الإسلامية بعد قرون طويلة من القوة، جسدا مريضا تنهشه كلاب جائعة من حوله، لا تترك فيه رمقا من حياة، ولا تقدم له الدواء كى يعيد سيرته الأولى فى قيادة الحياة وإنارة البصائر، وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ [التوبة: 32].
وبعد لأى من الزمن، وصحوة القلب المريض، ويقظة العقل الجاهل، تنبه المسلمون