عبادة الله الواحد الأحد، وعند ما يعرض الجاه، والسؤدد، والمال، والغنى فيرفض، فمن يكون الرسول إلا هذا، الحق أن الملاحدة الماديين عند ما ينكرون كل شىء: الله، والرسل، والوحى، هم أكثر منطقا من هؤلاء الذين يؤمنون بالله وبالوحى، ثم يكفرون برسول ينزل عليه الوحى من عند الله فعلا.
تفوق الإسلام على سائر الأديان: ومن هنا قلنا من قبل، ونكرّر تفوّق المسلمين على سائر معتنقى الأديان الأخرى، فهم يؤمنون بأن جوهر الديان واحد، والاختلاف لا يكون إلا فى التفاصيل، حيث ينسخ المتأخر المتقدم، ويقولون بقول القرآن، لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ [البقرة: 285].
ومعلوم أن هذه الآيات التى نحن بصددها قد جاءت فى سياق الحديث عن النفاق، وهو إظهار خلاف الباطن، والتربص لاستغلال الفرص والمناسبات.
وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا [النساء: 150]: وهذا هو النفاق بعينه، والحديث هنا عن يهود المدينة، ولكنه صالح لكل زمان ومكان، كما قدمنا، فهم يريدون أن يقولوا لسيدنا محمد: أنهم يؤمنون بالله، وإبراهيم، وموسى، ويقولون للمشركين:
أنهم يكفرون بمحمد، ولكن الله سبحانه وتعالى ينزل حكمه على هذا النوع من السلوك.
أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا [النساء: 151]: فهذا هو الكفر الصراح، إذ يعبر القرآن بكلمة حَقًّا.
وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً [النساء: 151]: أى وأعددنا لِلْكافِرِينَ، ولقد ذكر لفظ الكافرين مرة ثانية؛ ليكون أمعن فى التوكيد وأشد عَذاباً مُهِيناً، أى أنه عذاب لا يقتصر على الناحية المادية، وهو الألم، بل إنه عذاب معنوى كذلك، إذ هو مهين، أى مذل من الإهانة.
وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ [النساء: 152]: وفى مقابل اليهود والنصارى الذين زعم كل منهما أنه يؤمن برسوله فقط، يقوم المسلمون الذين يؤمنون بالله، وموسى، وعيسى، وإبراهيم ... إلخ، وهذا ما يجعل الرسالة الإسلامية أشد تكاملا، وأكثر منطقية، فمتى آمن إنسان بالله، وأنه يوحى لبعض عباده بمشيئته، فعلى أى أساس يكون الإيمان بالبعض والإنكار على البعض الآخر إلا أن يكون التعصب الأعمى.