وبعث عثمان في طلب الصحف التي كانت عند حفصة والتي جمعت بإذن أبي بكر، وشكل عثمان لجنة لتوثيق المصحف مرة أخرى، ولاستنساخ نسخ عنه يجمع عليها الناس فتكون لهم مرجعا وحكما وإماما.
ضمت اللجنة: زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، ومالك بن أبي عامر، وأنس بن مالك وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر، وأبان بن سعيد.
وترأس عثمان نفسه هذه اللجنة للاضطلاع بهذه المهمة الجسيمة.
وقد وضعت أهداف لهذه اللجنة من أهمها: كتابة القرآن على لسان قريش، وفي ذلك قال عثمان للرهط القرشيين:
إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنما نزل بلسانهم.
وأراد عثمان جمع الناس على القراءات الثابتة المعروفة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم وفق العرضة الأخيرة.
فكتبت اللجنة المصحف الإمام ليكون أصلا للمصاحف، وقد راجعه زيد مرات كثيرة ثم راجعه عثمان نفسه رضي الله عنه.
ثم نسخت اللجنة عن المصحف الإمام خمسة مصاحف، بعثت إلى مكة والكوفة والبصرة والشام وبقي واحد في المدينة المنورة.
وأمر عثمان بمحو وتحريق المصاحف التي في الأمصار، ونال هذا الأمر مصاحف الصحابة التي كتبوها لأنفسهم.
وبذا جمع عثمان المسلمين ولمّ شعثهم، فكان جمعه للقرآن وكتابته للمصاحف منقبة عظيمة له، وخدمة جليلة لكتاب الله. ولذا أجمع الصحابة على فعله رضى وقبولا.
قال زيد: رأيت أصحاب محمد صلّى الله عليه وسلّم يقولون: أحسن والله عثمان، أحسن والله عثمان.
وعن مصعب بن سعد بن أبي وقاص قال: أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك، ولم ينكر عليه أحد.
ولم يكتف عثمان ببعث المصاحف إلى الأمصار الإسلامية، بل أرسل مع كل مصحف عالما لإقراء الناس القرآن بما يحتمله رسم المصحف، فأمر زيد بن ثابت بإقراء أهل المدينة، وأمر عبد الله بن السائب بإقراء أهل مكة، والمغيرة بن شهاب بإقراء أهل الشام، وعامر بن عبد القيس بإقراء أهل البصرة، وأبا عبد الرحمن السلمي بإقراء أهل الكوفة.
وقال الإمام علي: لو وليت ما ولي