وأما قول النحويين إن "هذا" للقريب، و "ذلك" للبعيد، فتقريب، وليس بيان حقيقة الأمر.
ومما ذكرنا يتبين أن ما زعم ابن جرير رحمه الله، وتبعه المفسرون، أن {ذلك} هاهنا بمعنى هذا، واستشهد بقول خُفاف بن نَدْبة ([1]):
أقول له والرمحُ يأطِرُ متنَه ... تأمَّلْ خُفافاً إنني أنا ذلكا (2)
فلا يصح، لا في البيت، ولا في الآية: أما الآية فقد بينا أن {ذلك} هاهنا يدل على أمر لا يدل عليه "هذا". وفي القرآن نظائر كلها تؤيد ما ذكرنا، كما سيأتيك [3]. وأما البيت فيقبح فيه لفظ "هذا"، فإن الشاعر بعد ما ذكر اسمه لعدوه، قال له: إنني عدوك الذي سمعته وعلمته من قبل. فلو قال: إنني أنا هذا، لم يدل على ذلك المعنى؛ وأيضاً سقط، لما أن في "ذلك" دلالة على عظمته، ولا فائدة في "أنا هذا" [4]. [1] هو خُفاف بن عُمير السُّلَمى، وندبة (بفتح النون وضمها) أمه. شاعر فارس صحابي، من أغربة العرب وأشعر الفرسان. عاش في الجاهلية دهراً، ثم أدرك الإسلام، فأسلم وشهد فتح مكة وحنيناً والطائف، وبقي إلى أيام عمر. وهو ابن عم خنساء بنت عمرو الشاعرة.
ألقاب الشعراء 2: 311. الشعراء: 341 - 342 الآمدي: 153 - 154. الأغاني 18: 22 - 38. تحفة الأبيه 1: 104 الإصابة: الرقم 2273، الخزانة 5: 443 - 445.
(2) من أبيات له في شعره (شعراء إسلاميون) 482 - 485، وهي في الأغاني 18: 22 - 23 والحماسة البصرية 1: 321 والخزانة 5: 439 - 440. والبيت وحده في معاني الأخفش: 131 والاشتقاق: 309، وانظر تخريج البيت والقصيدة في شعره: 542. "لَهُ": أي لمالك بن حمار الفزاري و "يأطر متنه": يعطفه ويثنيه. [3] يعني في تفسيره. [4] قال المبرد في الكامل (1: 226 - 227):
"ومما سأله (يعني نافع بن الأزرق) عنه {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ} فقال ابن عباس: "تأويله: هذا القرآن". هكذا جاء، ولا أحفظ عليه شاهداً عن ابن عباس، وأنا أحسبه أنه لم يقبله إلا بشاهد. وتقديره عند النحويين إذا قال {ذَلِكَ الْكِتَابُ} أنهم قد كانوا وعدوا كتاباً. هكذا التفسير، كما قال جل ثناؤه: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} ويعني بذاك اليهود، وقال: {يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} فمعناه: هذا الكتاب الذي كنتم =