(ت: 129) هو أول من نقط القرآن، أو أن الذي بدأ بذلك هو نصر بن عاصم الليثي (ت 89). وهي في الحقيقة لا تنافي ما نقلناه، فقد كان كلّ من يحيى بن يعمر ونصر بن عاصم تلميذين لأبي الأسود الدؤلي، وقد كان يحيى بن يعمر قاضيا بمرو، فلعله عمد فنقط مصحفه على نحو ما فعل أستاذه، قبل أن يفعل ذلك هناك أحد غيره، وأما عمل نصر بن عاصم فهو في أغلب الظن إنما يعتبر طورا آخر من التحسين بعد العمل الذي قام به أبو الأسود، تدلّ على ذلك الرواية التي ساقها ابن خلكان، إذ يقول (ثم كثر التصحيف وانتشر بالعراق؛ ففزع الحجاج بن يوسف إلى كتّابه، فسألهم أن يضعوا لهذه الحروف المشتبهة علامات، فيقال إن نصر بن عاصم قام بذلك) [1]. فأنت ترى أن الحجاج إنما أمر كتّابه أن يعملوا شيئا تتميز به الحروف المشتبهة في القرآن، والحروف المشتبهة إنما هي المهملة والمعجمة كالحاء والجيم والعين والغين.
فيكون عمل نصر ابن عاصم إن صحّت الرواية تنقيطا، لتمييز المتشابه من الحروف لا لضبط الشكل والإعراب كما فعل أبو الأسود.
ثم إن هذا التحسين الذي ذكرناه، دخل طورا ثانيا، بل أخذ يتدرّج في أطوار متلاحقة، لا يمكننا أن نضبط كلّا منها بتاريخ دقيق صحيح، وأن ننسبه إلى شخص معين في رواية موثوقة.
ولكن مما لا شك فيه أن للحجاج عملا عظيما في ذلك بقطع النظر عن تفاصيل ما قام أو أمر به كما يقول الدكتور صبحي الصالح [2]. ومما لا شك فيه أيضا أن النقط والشكل تكامل وجودهما في القرآن على عهد الخليل بن أحمد (المتوفى: 170) عند ما ألّف كتابه في النقط والشكل [3].
وظلت الخطوات التحسينية في رسم القرآن مطّردة إلى يومنا هذا، ابتغاء تحقيق المزيد من ضبطه وتسهيل قراءته. إلا أن الظاهرة الأولى المتعلقة بإملائه [1] انظر المرجع السابق: 1 - 135. [2] انظر كتاب مباحث في علوم القرآن للدكتور صبحي الصالح: 97. [3] وفيات الأعيان: 1 - 172.