أما ما فعله أبو بكر فإنما كان ذلك بسبب مصرع كثير من حفّاظ القرآن، كما قد رأيت.
الثاني: اعتمد عثمان رضي الله عنه في كتابة المصاحف على لجنة مكونة من أربعة أشخاص من كبار القرّاء والحفّاظ، من بينهم زيد بن ثابت. أما الجمع الأول فقد اعتمد فيه أبو بكر كما قد رأيت على زيد بن ثابت فقط، ولعلّ سبب هذا الفرق مضاعفة الجهد هنا بسبب كتابة النسخ المتعددة.
الثالث: الصحف التي جمعت في المرة الأولى، إنما كان المراد منها أن تبقى في دار الخلافة معتمدا ومرجعا للدولة، إذ لم يكن في البال ما تسرب إلى بعض الألسنة أخيرا من الاختلاف في قراءة القرآن بسبب شيوع العجمة واتساع الرقعة الإسلامية. أما هذه الكتابة الثانية فإنما أريد منها اعتمادها ثم توزيعها في الأمصار لتتوحد القراءة على أساسها.
إلا أن الباحثين اختلفوا في عدد المصاحف التي استنسخها، والراجح الذي عليه أكثرهم أنها سبعة مصاحب، استبقى واحدا منها عنده وهو الذي سمي بالمصحف الإمام ووزع سائرها على الكوفة والبصرة والشام واليمن ومكة والبحرين [1].
ثم إنك إذا تأملت في قصة هذا الجمع الثاني وقفت على حقيقتين لا بدّ من إدراكهما:
الأولى: ترتيب مصاحف عثمان ورسمها إنما كان على نسق ما كتبه زيد بن ثابت في الجمع الأول، إذ إن الصحف التي اعتمد عليها إنما كانت كما علمت من كتابة زيد، بعد أن أمره كلّ من أبي بكر وعمر بذلك، وزيد بن ثابت هذا هو من أشهر الصحابة ضبطا للقرآن وحفظه، وهو صاحب العرضة الأخيرة للقرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبيل وفاته، فأقرّه الرسول عليه الصلاة والسلام، وأمر الناس بأخذ القرآن عنه، ومن هنا قطع كافة العلماء والباحثين [1] البرهان: 2 - 240.