وروى القرطبي بسنده عن ابن عباس قال: آخر ما نزل من القرآن:
وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ. فقال جبريل يا محمد، ضعها في رأس ثمانين ومائتين من البقرة» [1].
وروى البخاري بسنده عن ابن الزبير، قال قلت لعثمان: هذه الآية التي في البقرة وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجاً- إلى قوله غَيْرَ إِخْراجٍ قد نسختها الآية الأخرى فلم تكتبها؟ فقال: يا ابن أخي، لا أغير شيئا من مكانه.
وبناء على ذلك فقد تم إجماع العلماء ومختلف المؤرخين والباحثين على أن ترتيب آيات القرآن عمل توقيفي من قبل الله عزّ وجلّ.
وما يقال عن ترتيب الآيات، هو الذي يقال أيضا في ترتيب السور ووضع البسملة في الأوائل. قال القاضي أبو بكر بن الطيب، رواية عن مكّي رحمه الله في تفسير سورة «براءة»: إن ترتيب الآيات في السور ووضع البسملة في الأوائل هو توقيف من النبي صلّى الله عليه وسلّم، ولما لم يؤمر بذلك في أول سورة براءة تركت بلا بسملة. وروى القرطبي عن ابن وهب قال: سمعت سليمان بن بلال يقول سمعت ربيعة يسأل: لم قدمت البقرة وآل عمران، وقد نزل قبلهما بضع وثمانون سورة، وإنما نزلتا في المدينة؟ فقال ربيعة: قد قدّمتا وألّف القرآن على علم ممّن ألّفه [2].
إلّا أنه وقع بحث بين علماء هذا الشأن في حكم من أحبّ أن يرتب سور القرآن طبقا لتاريخ نزولها لا لترتيبها الأخير الذي بأمر به الرسول صلّى الله عليه وسلّم، هل هو عمل جائز أم لا؟ وليس لنا في هذا المجال غرض يتعلق بهذا البحث.
وأما كتابته فأنت تعلم أن النبي صلّى الله عليه وسلّم كان أميّا لا يقرأ ولا يكتب؛ أجمع [1] تفسير القرطبي 1 - 61 وانظر صحيح البخاري ج: 5 كتاب التفسير ص: 165. [2] انظر تفسير القرطبي: 1 - 59 و 8 - 61.