من أقوى التعابير في الدلالة على الخدمة المستقرة الدائبة؛ وعلى أن للإنسان أن يستفيد منه ويستخدمه لصالحه في المعاش الدنيوي والمعاد الأخروي.
نظرة القرآن إلى الإنسان:
الإنسان في القرآن مخلوق يحمل أخطر مميزات وصفات يحملها مخلوق على الإطلاق. هذه المميزات هي: جملة الصفات الإنسانية المركبة فيه، من العقل وما يتفرع عنه من العلم والإدراك والقدرة على تحليل الأشياء وسير أغوارها، والأنانية وما يتفرع عنها من النزوع إلى الأثرة والمنافسة والتملّك، والقوة وما يتفرع عنها من حبّ العظمة والنزوع إلى السيطرة والكبرياء. ونظرا لما لهذه الصفات من الخطورة والأهمية ونظرا لكونها أسلحة ذات حدّين: إن استعمل أحدهما جاء بالتنظيم العظيم للكون والخير الوفير للإنسان، وإن استعمل الآخر أو استعملا معا جاء بالشر الوبيل والفوضى الهائلة للحياة- نظرا لذلك أطلق القرآن على هذه الصفات اسم الأمانة فقال: إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ، فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا [1]. والذي اقتضاه حمل هذه الصفات كلها، أو حمل هذه الأمانة، أنه لم يكن يستطيع بغيرها تسخير شيء من مظاهر الكون.
والإنسان في القرآن، خليفة الله عزّ وجلّ في الأرض، أي إنه جلّت قدرته شاء أن يكون الإنسان مظهرا لعدالته، وأن يكون هو لسان الكون الناطق بحمده وتسبيحه والإيمان به، وذلك عن طريق تنفيذ أوامره وتطبيق شرعه والاهتداء إلى ألوهيته ووحدانيته. وفي بيان هذا يقول الله وهو يقصّ علينا بدء خلق الإنسان: وَإِذْ قالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً [2].
ويقول مخاطبا الإنسان: [1] الأحزاب: 82، هذا ويجدر بالقارئ أن يرجع إلى ما كتبته موسعا في كتابي «كبرى اليقينيات الكونية» تحت عنوان: ما الذي أحوج الإنسان إلى الدين والعقيدة الصحيحة عن الكون والإنسان والحياة. ففيه تحليل واف بهذا الموضوع الهام الذي أجملته هنا بهذه الأسطر القليلة. [2] البقرة: 20.