مُبِيناً. وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ ما لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً [1].
فقد ذاب في ميزان العدالة في التشريع الإسلامي، العرق والقرابة والطائفية والتبعية، ولم يبق فيه إلا اعتبار واحد: هو الحقيقة الإنسانية المطلقة.
ج- الأخلاق والمبادئ: ليس الخلق النبيل في القرآن، عبارة عن السلوك الذي ينسجم مع ما تواضعت عليه البيئة أو الجماعة المعينة من المعايير السلوكية والخليقة المستحسنة، كما هي النظرة لدى عامة الذين بحثوا من عند أنفسهم في مقوّمات الفضيلة والأخلاق.
وإنما الأخلاق والفضيلة في القرآن، مجموعة الاعتبارات والمناهج السلوكية التي تتلاءم مع الفطرة الإنسانية الصافية من جانب وتساعد في إرساء قواعد السعادة الإنسانية للفرد والجماعة من جانب آخر. ومن ثم فأنت لا تجد في هذه المناهج السلوكية قابلية للاختلاف والتغيّر ما بين بيئة وأخرى، لأنها لم تنشأ من أعراف بيئة، ولكنها انبثقت عن الفطرة الإنسانية الشاملة.
فمن المبادئ الخلقية في القرآن، اعتبار الناس كلهم، مهما اختلفت أعراقهم وأنسابهم وبيئاتهم، في مستوى واحد من الكرامة والحرية الإنسانية، ولا يتفاضلون بعد ذلك إلا بما يحرزه كلّ منهم من السبق بسعيه الخاص في ميدان الجهد الإنساني المفيد المشرف. يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ [2].
ومن المبادئ الخلقية في القرآن، إلزام الأبناء بحسن معاملة الآباء وخفض جناح اللطف والرحمة لهم، مهما كان بين الطرفين من تباعد في الرأي أو اختلاف في المذهب. وهو مبدأ إنساني غير ناظر إلى طبيعة خاصة أو عرف معين، يقتضيه ضمان سلامة الأسرة الإنسانية التي تتدرج صعدا من الخلية [1] النساء: 106 - 113. [2] الحجرات: 13.