ومن ذلك أن يمهد لها بعبارات يكشف فيها عن حكمة أحداثها وسبب وقائعها، لتتجسد بذلك العبرة التي ينبغي أن تؤخذ منها، حتى إذا تنبّه فكر القارئ إلى ذلك بدأ يسرد عليه القصة وهو متيقظ لمراميها ومكان الهداية منها وذلك كالأسلوب الذي مهّد به لقصة موسى وفرعون في أول سورة القصص.
فقد ذكر الله جلّ جلاله بين يدي القصة هذه الآيات الممهدة:
إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ، وَجَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ، إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ، وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهامانَ وَجُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ [1].
المظهر السادس: العرض التمثيلي الذي يعتمد على إبراز المشاهد جليّة مشرقة أمام الناظر أو المتخيل، ويطوي ما بينها من الروابط البدهية اعتمادا على سير المخيلة وتصورها.
وأنت تعلم أن القصة إذا ما أريد عرضها بأسلوب تمثيلي حيّ، فلا بدّ فيها من طيّ تلك الأحداث التي يقرضها الفكر والخيال بالبداهة، بل إن القيمة الفنية للقصة وحيويتها تقلّ كثيرا إذا ما شغل فكر الناظر أو السامع بالحديث عن تلك الروابط وتبيانها.
والقصة القرآنية قائمة على هذه السمة والنهج دائما مهما كانت القصة أو كان موضوعها. انظر مثلا إلى قصة نوح التي وردت في سورة هود، وانتبه إلى قوله عزّ وجلّ فيها: وَأُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ، فَلا تَبْتَئِسْ بِما كانُوا يَفْعَلُونَ وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنا وَوَحْيِنا وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ. وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ ... [2].
فأنت تجد نفسك في أول هذه الآيات أمام الإخبار الإلهي الذي ينزل على [1] القصص: 3 و 4 و 5. [2] هود: 36 - 37 - 38.