واحدا، وأن كلّا من: قعد، وجلس، شيء واحد في الدلالة، وأن كلّا من:
نام، ورقد، وهجع، متّحد في المقصود ولكن الحقيقة ليست كذلك. ففي كل كلمة من هذه المترادفات وصف تستقل بالدلالة عليه، وإن كان جميعها متفقا في الدلالة على أصل المعنى، بقطع النظر عن خصائص الفروق والأوصاف، كما يقول الإمام أحمد بن يحيى المعروف بثعلب.
وقد كان جمع من أهل اللغة في مجلس عند سيف الدولة، وفيهم أبو علي الفارسي، وابن خالويه. فقال ابن خالويه: أحفظ للسيف خمسين اسما. فتبسم أبو علي وقال: أما أنا فلا أحفظ له إلا اسما واحدا وهو السيف. قال ابن خالويه: فأين المهنّد والصارم وكذا وكذا .. فقال أبو علي: هذه صفات، وكأن الشيخ لا يفرّق بين الاسم والصفة.
فمن هنا تضيق السبل على من ينشد الدقة في التعبير والصدق في تصوير المعاني والمشاعر. إذ تسقط فائدة المترادفات من حسابه، لما يختصّ به كلّ منها من دلالة وصفة معينة، ولا يمكن أن يتمثل متن هذه اللغة كلها أمام عينيه، ليلتقط منها ما يأتي مفصّلا على قدر مشاعره وأفكاره. وإنما هو يأخذ منها- كما قلنا- ما تبادر إلى ذاكرته وقرب إلى لسانه.
وعندئذ إما أن يقع في تطويل لا فائدة منه، وإما أن يجنح إلى اختصار مفسد مخلّ، وإما أن يقع في كلامه على ألفاظ وتعابير تفسد عليه تصوره وتشوش على السامع مقصوده. وإذا اتسعت أمامه السبل في التعبير عن بعض معانيه وأفكاره، ضاقت عليه السبل لدى محاولة التعبير بدقة عن المعاني الأخرى.
وما كاتب من الكتاب أو بليغ من البلغاء، ممّن سمعت بهم قديما أو حديثا، إلا وفيه هذه النقائص أو واحدة منها.
فمن أجل هذين السببين، يعاني الإنسان- مهما سمت درجته البلاغية وطاقته التعبيرية- من العجز، تجاه محاولته التعبير عن المعاني والمشاعر التي يريد التعبير عنها بدقة. ولا ريب أنه عجز متفاوت تبعا لتفاوت القدرات البلاغية والتعبيرية، عند الناس. إلا أن العجز سمة ثابتة للجميع بمعناه الإجمالي.