نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 97
متّصل بالتاريخ، فهو يريد أن يقول: إنّ رعاية الناحية الفنية عند الأديب المجرّد لا تستلزم صدق الرواية ولا صحة الواقعة، وهذا حق، بل إنه كثيرا ما يتجلى فن الأديب المبتكر من الحوادث والمتخيّل من الروايات أكثر مما يتجلّى فى رواية الوقائع الصادقة الحقة، بصرف النظر عما يقوله المربون وعلماء النفس فى خطر هذا الأسلوب على التكوين الفكرى والنفسانى للأشخاص، ثم هو يريد بعد هذا أن يجرّد من نفسه أديبا بعيدا عن كل اعتبار آخر، ويجرّد من القرآن كتاب أدب بعيدا عن كل اعتبار آخر كذلك، وينظر فيه على هذا الأسلوب بصرف النظر عن صدق هذه القصص ومطابقتها للواقع والتاريخ أو مخالفتها لذلك كله.
ولو قال: إنه يتخذ هذا البحث وسيلة إلى إثبات سمو الناحية الفنية فى كتاب الله وعمقها، وإنه مؤمن بالقرآن الكريم، يصدّق بأن هذه الوقائع جميعا لا بدّ أن تكون حقائق تاريخية، وذلك مما يزيد فى روعة التصوير ودقّة الفن. ولا عجب فهو (صنع الله الذى أتقن كل شىء) لو قال هذا لاستراح وأراح، ونفى عن نفسه وعن الذين يقرءون له: لوثات [1] الزيغ والضلال، وقل مثل ذلك فى مثل هذه المناحى جميعا.
هذا من حيث التاريخ والأدب مع القصص القرآنى والحوادث التاريخية فيه، أما المعجزات والقصص الغريبة التى لم تأت على حسب مألوف الناس. ووفق ما يعرفون من النّواميس العادية، كقصة أهل الكهف، وقصة الذى مرّ على قرية وهى خاوية على عروشها. فذلك بحث آخر سنفرده بالكلام فى أولى مناسباته إن شاء الله، وإنما نقصد إلى التنبيه لمثل هذا المزلق وللاستقراء بعد ذلك موضعه بتوفيق الله.
هى فتنة بلا شك فلتحذرها الأمة، ولتستمسك بالقرآن ([2]):
منذ شهور قابلت كاتبا معروفا يكتب عن الإسلام كثيرا، ويرد على الملحدين أحيانا، [1] لوثات: جمع لوثة، وهى الحماقة. انظر: لسان العرب (2/ 185). [2] نشرت فى مجلة (جريدة الإخوان المسلمين) الأسبوعية فى العدد (14) من السنة الأولى الصادر فى يوم الخميس 24 من جمادى الأولى سنة 1352 هـ. وهذا المقال لم يكن فى صلب المقال الذى كتبه الإمام كمقدمة للتفسير فى مجلة (الشهاب)، ولكنى وضعته هنا لاتّحاده فى الموضوع، ولأهميته كذلك. وقد عنون الإمام المقال بالعنوان المكتوب، ثم كتب تحته قوله تعالى: وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتابِ وَأَقامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ [الأعراف: 170].
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 97