نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 359
ولا لغير ذلك من الشئون التى تتناولها العلوم الكونية البحتة. وإنما جاء ليكون كتاب هداية وإرشاد وتطهير للنفس البشرية وسمو بها إلى الكمال الممكن اللائق بجمالها، وإيضاح وتقوية للصلة بين الخالق والمخلوق، وبين المخلوقين بعضهم وبعض، وتقرير للحقوق والواجبات، وتفصيل للمصالح والمضار فى المأمورات والمنهيات التى تتصل بسعادة الناس فى معاشهم ومعادهم. وإن أشار فى كثير من الأحيان إلى دقائق العلوم الكونية، وعجائب النواميس التى تسير عليها المخلوقات. وإنما جاء القرآن كذلك لحكم جليلة:
(منها) أنه إذا تناول حقائق العلوم والمعارف الكونية بالشرح والبيان، فقد قطع على العقل البشرى سبيل الرقى، وحرمه لذة الجهاد العلمى، وقضى على استقلاله وحريته بالجمود والخمود، ولم يبق للعلماء فضل على الجهلاء، وكان الناس فى المواهب سواء، فلم تشهد الإنسانية إلا جيلا واحدا ثم يقضى عليها بعد ذلك بالفناء.
(ومنها): أن طبيعة العقل البشرى فى نشوئه وتكوينه لا تقبل هذه الطفرة ولا تحتملها، وإنما يسلك العقل البشرى فى النوع الإنسانى مسلكه فى الفرد. والواحد له أطوار وأدوار فهو ينشأ ضعيفا لا يكاد يدرك ما حوله، ثم تتسع أمامه آفاق الإدراك وحدوده فلا يزال يتعلم فيعلم حتى يبلغ أقصى قوته، ويأخذ من المعرفة بالنصيب الذى كتب له، وأنت إن فاجأته وهو فى دور طفولته وضعفه بما لا يستطيع إدراكه، ولا يقوى على اكتناه ماهيته آذيته وشردته وأضللته وقذفت به فى مهاوى الفتنة والشك والارتياب، وتصور أن طفلا سألك عن قوانين الكهرباء وكيف يتولد؟ وكيف يسير؟
وكيف تتحرك به القوى العظيمة وتشتعل بضوئه المصابيح القوية على البعد والقرب سواء؟ أو سألك عن أوجه القمر فى نشوئه هلالا، ثم اكتماله بدرا، ثم عودته بعد ذلك من الكمال إلى النقص حتى يختفى جرمه ويخبو نوره؟ أو سألك عن البخار كيف يدير البواخر ويحمل على الماء الأعلام المواخر؟ أتستطيع أن تتبسط فى شرح ذلك لطفل صغير لم يتلق مبادئ هذه العلوم ولم يستق بعد من معين هذه المعارف؟
كذلك العقل الإنسانى فى نشأته وأدوار حياته وأطوار نموه دائم الرقى والاكتمال بحسب ما يكتسب من المعارف المتجددة والتجارب المتكررة المتعددة. وما كان للقرآن- وهو كتاب العصور كلها، والأمم كلها، والعقول جميعا- أن يتناول من علوم الكون إلا
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 359