نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 329
وكان من الخير لهؤلاء أن يرضوا الله ورسوله فإن الناس لا يملكون لهم من الله شيئا والله خير وأبقى.
ووحدة الضمير فى (يرضوه) إشارة إلى أن مرضاة رسول الله صلى الله عليه وسلم مرضاة لله، لأنها تأييد لرسالته، وهى من عند الله عز وجل، وليس هنا تركيب آخر يعبر هذا المعنى أبدا إلا هذا التعبير البليغ، وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ [التوبة: 62] إن كانوا يعلمون الأمور على وجهها الصحيح، فإن أصرّوا على إيذائهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والاستتار بالأيمان الباطلة كانوا بذلك محاربين لله ولرسوله، واستحقوا بهذا نار جهنم خالدين فيها وذلك هو الخزى العظيم والخسران المبين.
والعجيب أن هؤلاء المنافقين كانوا يعلمون ويعتقدون أنّ محمدا يوحى إليه، ولا تخفى عليه من أمرهم خافية، فهم يحذرون أن يطّلع من أعمالهم وأقوالهم على ما يكره، ولكن تأصّل الكفر والنفاق يتغلّب عليهم فى كثير من الأحيان، فيخوضون فيما يحذرون الخوض فيه أملا فى التعلّل بعد ذلك بالمعاذير، مستهزئين بالدعوة وصاحبها، ويحذّرهم من انكشاف أمرهم وافتضاح نفاقهم وكفرهم.
فنزلت الآيات الكريمة تصوّر أدقّ تصوير هذه الخوالج النفسية، وتكشف عن هذه المؤامرات الخفية العملية، وتتوعدهم بالفضيحة وسوء الجزاء، فذلك قوله تعالى: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ [التوبة: 64]، ومع ذلك يصرّون على الهزء والسخرية قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ [التوبة: 64]، فإذا انكشف أمرهم قالوا: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [التوبة: 65]، مع أن الموضع موضع جدّ لا موضع لهو وعبث، قُلْ أَبِاللَّهِ وَآياتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِؤُنَ [التوبة: 65].
ومن هنا سجّل عليهم الوصف الذى ينطبق عليهم، والجزاء الذى يستحقونه، ورد عليهم اعتذارهم الواهى فقال: لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ [التوبة: 66].
ولما كان فريق منهم قد تاب وحسنت توبته سجّلت الآية الكريمة عفو الله عنهم، كما سجّلت مؤاخذته للمصرّين على الجريمة منهم، وإن نعف عن طائفة منكم بتوبتهم، نعذّب طائفة بأنهم كانوا مجرمين، وما زالوا على جريمتهم.
نام کتاب : نظرات في كتاب الله نویسنده : حسن البنا جلد : 1 صفحه : 329