نام کتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن نویسنده : عبد السلام أحمد الراغب جلد : 1 صفحه : 209
عظيم، وذي قيمة، لذلك عقّب على القسم بالاستفهام الموحي بالتفخيم والتعظيم، ثم صرّح بالمقصود بالطارق، وهو النجم الثاقب، والمراد به جنس النجم وليس نجما بعينه، كما يوحي السياق بذلك ثم جاء بالمقسم به إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْها حافِظٌ للدلالة على أن كل نفس عليها حافظ رقيب على أعمالها وخواطرها، يملك قدرة النفاذ إلى أعماقها المستورة، ومناطقها المظلمة، فيشق حجابها السميك الخارجي بقوة نفاذه كما يطرق هذا النجم الثاقب ظلام الليل، فيزيل ظلامه، وينفذ من خلاله.
وتتجلى قدرة الله سبحانه في الصورة الكونية والصورة النفسية معا، وتتلاحم الصورة في إطارها مع مضمونها كما يتّحد الغرض الفني بالغرض الديني من خلال هذا التصوير المعجز.
ويمتد تصوير حركة الكواكب في السماء، فترسم الصورة حركتها في ظهورها واختفائها، بمشهد حي شاخص، فيه الحركة الرشيقة، والإيحاء العميق، فهي في حركتها طالعة وغائبة، تشبه حركة الظباء الجارية على الأرض، التي تختبئ في كناسها، لتظهر من ناحية أخرى.
يقول تعالى في وصفها: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوارِ الْكُنَّسِ ... التكوير: 15 - 16.
ثم إن هذه النجوم، مرتبطة بحياة الإنسان على الأرض، فهي هادية له في ظلمات البر والبحر، وكأنها قناديل للإضاءة فضلا من الله ونعمة على هذا الإنسان، يقول تعالى: وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ الأنعام: 97.
وصورة القمر أكثر إثارة وجاذبية للإنسان منذ القديم، وقد أثار بحركته المتغيّرة، خيال الإنسان، وراح يسأل عن سرّ هذا التغيير في شكله، فيبدو هلالا، فبدرا، ثم يعود متدرّجا كما بدأ في صورته وهيئته، يقول تعالى: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ البقرة: 189 فعيون الصحابة رضوان الله عليهم، كانت تتابع مراحل نمو الهلال، وقد أدهشتهم هذه الصورة المتغيرة، وأثارت خيالهم، فراحوا يسألون عن ماهية الصورة المتغيرة ولكن الجواب لم يأت جوابا على الماهيّة، وإنما جاء موضحا وظيفة هذه الصورة المتغيرة، وأثرها في حياتهم، وهذا يسمى في البلاغة العربية القديمة بأسلوب الحكيم.
لأنه ليس من وظيفة الصورة، تقديم معلومات علمية عن حركة الأفلاك في السماء،
نام کتاب : وظيفة الصورة الفنية في القرآن نویسنده : عبد السلام أحمد الراغب جلد : 1 صفحه : 209