وإذا قلنا بمذهب الجماهير بنجاسة الدم، فإنه يُفرّق بين كثيره، وقليله، فقد أجمع العلماء على أن يسير الدم معفو عنه، وفيه حديث ضعيف، وهو حديث الدّرهم البَغْلِي، والصحيح أنه لا يثبت عن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إستثناء هذا القدر؛ وإنما اُستثني بدليل الكتاب، والإجماع أما دليل الكتاب فقوله سبحانه: {أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ} فلما حكم بنجاسة الدم، وصفه بكونه مسفوحاً، والمسفوح: هو الكثير، ومفهوم ذلك أن اليسير لا يأخذ حكم الكثير المسفوح فاستثني، وتأيد هذا بفعل الصحابة رضي الله عنهم كما صحّ عن عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهم أنهما لم يريا في البثرة شيئاً بل كان أحدهم يعصرها فيخرج منها الدم، ويصلي، ولا يغسلها، وأما الإجماع: فلأن جميع من قال بنجاسة الدم إستثنى اليسير، وإن كانوا قد اختلفوا فيما بينهم في حدِّ اليسير كما تقدم معنا، فهم بهذا متفقون على أن اليسير معفو عنه.
ونظراً لدلالة الكتاب، والإجماع إستثنى العلماء رحمهم الله يسير الدم، ولم يحكموا فيه بالأصل، لأنه محلّ العفو من الشرع.
ويستوي عند العلماء رحمهم الله في هذا الإستثناء أن يكون قدر الدرهم منحصراً في موضع معين، أو متفرقاً في مواضع، فما دام أنه بمجموعه لا يبلغ قدر الدرهم، فهو يسير، وعفو.
ثم إذا قلنا على القول المرجوح في مسألة القُلتين إن التّحديد بهما معتبر، فإن يسير الدم لو وقع في إناء دون القلتين حكمنا بنجاسته، ولا تدخل هذه المسألة معنا، وهذا هو ما أشار إليه المصنف رحمه الله بالتّعبير بالقيد في قوله