والموقوذة والمتردية والنطيحة، والفرق بينهما إنما هو في سفح الدم، فدل على أن سبب التنجس هو احتقان الدم واحتباسه، وإذا كان كذلك فالعظم والقرن والظلف والظفر وغير ذلك ليس فيه دم مسفوح، ولا يعارض هذا بتحريم تذكية المرتد والمجوسي، ولو سفح الدم؛ لأن التحريم تارة يكون لاحتقان الدم، كما هو الحال في المتردية والنطيحة، وما صيد بعرض المعراض، وتارة تكون لفساد التذكية، كذكاة المجوسي والمشرك [1].
الدليل الثاني:
قالوا: إن هذه الأشياء ليست بميتة، فليست داخلة في عموم تحريم الميتة؛ لأن الميتة من الحيوان في عرف الشارع اسم لما زالت حياته، ولا حياة في هذه الأشياء.
فإن قيل: إنها داخلة في الميتة؛ لأنها تحس وتتألم.
قيل لهم: أنتم لم تأخذوا في عموم اللفظ، فإن ما لا نفس له سائلة كالذباب والعقرب لا ينجس عند جماهير العلماء، مع أنه ميتة [2].
الدليل الثالث:
أن طهارة العظم أولى من طهارة الجلد بالدباغ، فهذا الجلد، جزء من الميتة، فيه الدم كسائر أجزائها، والنبي - صلى الله عليه وسلم - جعل الدباغ طهارة له؛ لأن الدباغ ينشف رطوبته، فدل على أن سبب التنجس هو الرطوبات، والعظم ليس فيه رطوبة سائلة، وما كان فيه منها يجف وييبس، كما أن العظم يبقى ويحفظ [1] انظر مجموع الفتاوى (21/ 99 - 100) بتصرف يسير. [2] المرجع السابق.