فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الماء طهور لا ينجسه شىء" هذا عام يشمل القليل والكثير، ثم أخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بحديث القلتين، أن الماء الكثير لا ينجس، فهو فرد من أفراد قوله - صلى الله عليه وسلم -: "الماء طهور لا ينجسه شىء" فلا يقتضي تخصيصه ولا تقييده.
الوجه الثاني: أن يقال إن الرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أراد أن يعطي حكماً أغلبياً وليس حكماً مطرداً. فالرسول - صلى الله عليه وسلم - قال في حديث ابن عمر: "إذا كان الماء قلتين لم يحمل الخبث " هل معنى ذلك أنه لا ينجس أبداً؟
الجواب: لا. إذ لو تغير بالنجاسة لنجس إجماعاً، ولكن معنى لم يحمل الخبث: أي غالباً لا يتغير بالنجاسة.
ومفهومه: إذا كان دون القلتين فإنه يحمل الخبث أي في الغالب أيضاً، وليس مطلقاً، وكيف نعرف أنه حمل الخبث أو لم يحمل؟
الجواب: نعرف ذلك بالتغير، فالغالب أن الماء إذا كان دون القلتين أنه يتغير بالنجاسة فإن لم يتغير عرفنا أنه لم يحمل الخبث.
فإذا كان منطوق الحديث يحمل على الغالب بالإجماع، فكذلك مفهوم الحديث ينبغي أن يحمل على الغالب من باب أولى، لأن المفهوم أضعف من المنطوق [1].
أما الجواب عن حديث لا يبولن أحدكم في الماء الدائم واستدلالهم بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما نهى عن الاغتسال في الماء الدائم بعد البول فيه إلا لأنه يتنجس بذلك. [1] راجع للاستزادة إغاثة اللهفان (1/ 156) وفتح الباري (1/ 408، 414)، والأوسط (1/ 260) وتهذيب السنن (1/ 56 - 74).