دليلهم الثاني:
قالوا: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه احتاجوا في أسفارهم الكثيرة إلى الماء، ولم يجمعوا المستعمل لاستعماله مرة أخرى، ولو كان طهوراً لجمعوه، لأن التيمم لا يجوز مع وجود الماء [1].
ويجاب عنه:
بأن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يقتصدون في الوضوء، وقد ثبت من حديث أنس المتفق عليه قال: " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ بالمد ... الحديث" [2]، بل توضأ بأقل من ذلك، وكان بعض السلف إذا توضأ لا يكاد يبلل الأرض.
وعلى هذه الحال لا يمكن جمعه، ولو أمكن جمعه لكان في ذلك مشقة عظيمة، والحرج مرفوع عن هذه الأمة بنص القرآن. كما أن كونه لم يجمع لا يدل على أنه لا يتطهر به، ولهذا لم يجمعوه للشرب مع طهارته، وحاجتهم للشرب آكد، ولم يجمعوه لغير الشرب كالعجن والطبخ والتبرد، فعدم جمعه ليس دليلاً على عدم طهوريته، ثم يقال أيضاً: لم يجمعوا أيضاً الماء المستعمل في طهارة مستحبة مع كونه طهوراً، ولا يبعد أن يكون هناك من يتوضأ مجدداً الوضوء، فلم ينهض هذا دليلاً على عدم الطهورية [3]. [1] المجموع (1/ 206). [2] صحيح البخاري (201) ومسلم (325). [3] أجاب الشافعية عن هذا الاعتراض بقولهم: بأن الصحابة تركوا جمعه للشرب لاستقذاره، فإن النفوس تعافه. لكن يقال: إذا كانت تعافه للشرب، فإنها لا تعافه للتطهر. انظر المجموع (1/ 206