نام کتاب : فقه المعاملات نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 863
لا خلاف بين الفقهاء في أنه يشترط لصحة السلم أن يكون المسلم فيه معلوما مبينا بما يرفع الجهالة عنه ويسد الأبواب إلى المنازعة بين العاقدين عند تسليمه , وذلك لأنه بدل في عقد معاوضة مالية , فاشترط فيه أن يكون معلوما كما هو الشأن في سائر عقود المبادلات المالية.
ولما كان المسلم فيه ثابتا في الذمة غير مشخص بذاته اشترط الفقهاء أن ينص في عقد السلم على جنس المسلم فيه , بأن يبين أنه حنطة أو شعير أو تمر أو زيت. . ونوعه إن كان للجنس الواحد أكثر من نوع , بأن يبين أن الرز مثلا من النوع الأمريكي أوالأسترالي أو البشاوري ونحو ذلك. فإن كان للجنس نوع واحد فقط , فلا يشترط ذكر النوع.
كما اشترطوا بيان قدره لقوله صلى الله عليه وسلم: من أسلم فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم. وبيان القدر يتحقق بكل وسيلة ترفع الجهالة عن المقدار الواجب تسليمه , وتضبط الكمية الثابتة في الذمة بصورة لا تدع مجالا للمنازعة عند الوفاء.
ويستنتج من نصوص الفقهاء التي بينت طرق التقدير الأربعة (الكيل والوزن والزرع والعد في كل شيء بحسبه) وهي الوسائل العرفية المعلومة في عصورهم أن معلومية المقدار في أيامنا الحاضرة يمكن أن تكون بأية وحدة من الوحدات القياسية العرفية المحدودة الشائعة. . وذلك مثل التحديد بالمتر أو بالقدم أو بالميل في الطول , وبالغرام أو بالأونصة أو الباوند في الوزن , وبالليتر أو الجالون في الحجم ونحو ذلك.
وفي هذا المقام نص الفقهاء على وجوب كون أداة التقدير العرفية معلومة المعيار وإلا فسد السلم لجهالة قدر المسلم فيه وإفضاء ذلك إلى الخصومة والمنازعة.
ومما يجدر بيانه أن جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية وأحمد في رواية عنه رجحها كثير من الحنابلة لا يرون بأسا في اتفاق العاقدين على تحديد المسلم فيه بأية وحدة قياسية عرفية تضبطه , ولو كانت غير المستعملة لتحديد قدره في زمن النبوة , وذلك لأن الغرض معرفة قدره بما ينفي عنه الجهالة والغرر , وإمكان تسليمه من غير تنازع , والعلم بالقدر يمكن حصوله بأية وحدة قياسية عرفية منضبطة , وعلى هذا فلو قدراه بأي قدر جاز , ويفارق ذلك بيع الربويات , فإن التماثل فيها في المكيل كيلا وفي الموزون وزنا شرط , ولا يعلم تحقق هذا الشرط إذا قدرها بغير مقدارها الأصلي.
وخالف في ذلك الحنابلة على المعتمد في مذهبهم , وقالوا: لا يصح سلم في مكيل وزنا , ولا في موزون كيلا , لأنه مبيع يشترط معرفة قدره , فلم يجز بغير ما هو مقدر به في الأصل , كبيع الربويات بعضها ببعض , ولأنه قدره بغير ما هو مقدر به في الأصل فلم يجز , كما لو أسلم في مزروع وزنا.
وقال المالكية: العبرة بعرف أهل البلد الذي جرى فيه السلم. فلا بد أن يضبط المسلم فيه بالوحدة القياسية التي تعارف أهل البلد وقت العقد على تقديره بها , قطعا لدابر المنازعة بين العاقدين في تقديره عند الوفاء.
وبيان مقدار المسلم فيه بهذه الصورة إنما يجري في المثليات التي تخضع أنواعها للوحدات القياسية العرفية (الوزن أو الحجم أو الطول أو العد) . أما إذا كان المسلم فيه من القيميات التي تختلف آحادها وتتفاوت أفرادها بحيث لا تقبل التقدير بتلك الوحدات القياسية , وإن كانت صفاتها قابلة للانضباط , فعندئذ يجوز السلم فيها بشرط بيان صفاتها التي تتفاوت فيها الرغبات , ويختلف الثمن بتفاوتها اختلافا ظاهرا.
ولا يجب استقصاء كل الصفات , لأن ذلك يتعذر , وقد ينتهي الأمر لو طلب فيها الاستقصاء إلى حال يتعذر معها تسليم المسلم فيه , إذ يبعد وجود المسلم فيه عند المحل بتلك الصفات كلها. ولهذا يكتفي بالأوصاف الظاهرة التي يختلف الثمن بها غالبا أو تختلف الأغراض بسببها عادة.
نام کتاب : فقه المعاملات نویسنده : مجموعة من المؤلفين جلد : 1 صفحه : 863