من غير تقييد بالأفضل. فانه قد حُكي لنا عنه أنه قد قتد في بعض ما نقلناه عنه.
فأما من قال إنه فرض فإنه يحتج بما روي أنه عليه الصلاة والسلام قال: إن الله تعالى فرض للحاضر أربعًا وفرض للمسافر ركعتين [1]. وأجيب عنه بأن معناه: فرضه ذلك إذا اختار. لقول عائشة رضي الله عنها: فرضت الصلاة ركعتين، ركعتين في الحضر فزيدت في صلاة الحضر وأقرت في صلاة السفر [2]. وأجيب عن هذا بأن المراد بأنها أقرت في السفر في حق في اختار القصر. وأنكر أبو المعالي هذا الخبر وقال من زعم أن صلاة الإقامة كانت ركعتين ركعتين ثم زيد فيها فقد جحد الضرورة والبديهة. فإنا نعلم بالتواتر والنقل المستفيض أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي الظهر في الحضر أربع ركعات كما نعلم أنه كان
يركع في كل ركعة ركوعًا. ومن أبدى في هذا المراء طرق القدح إلى نقل التواتر.
فالأولى تضعيف الرواية أو نسبة رواتها إلى الوهم. وهذا الذي قاله طريقة انفرد بها. والحديث أشهر من أن ينكر. والصلوات وإن كانت مما ينقل تواترًا في العادة وأعلام الدين متكررة المتابعة في المسلمين شأنها أن تنقل تواترًا فإن ذلك إنما يكون مع حصول الأسباب والدواعي الباعثة على النقل، فإذا تبدلت الأسباب والدواعي تبدل هذا الحكم. وما كان من الشريعة في أول الإِسلام ثم طرأ عليه النسخ بعد قليل من العمل به وألف الناس خلافه، واستمروا على الإضراب عنه، وحرم عليهم فعله، فإن الدواعي الباعثة على نقله قد فقدت.
فلا يستنكر فيما هذا شأنه ذهابه واندراسه لعدم الحاجة إلى نقله. والحاجة إليه هي سبب توافر الدواعي عليه. فإذا استغني عنه فلا معنى للتشاغل بنقله. وقد أشار أبو المعالي في بعض كتبه [3] إلأصولية إلى مثل هذا المعنى الذي قلناه.
وأشار القاضي أبو محمَّد رحمه الله إلى نحو هذه الطريقة. ومثله [4] كيف يهجم هذا الهجوم على خبر رواه مالك في موطئه. ورواه البخاري أيضًا في صحيحه [1] رواه مسلم عن عروة عن ابن عباس. نصب الراية ج 2 ص 189. وأخرجه أحمد ج1 ص 355. [2] رواه مالك والبخاري ومسلم وأبو داود والبيهقي والنسائي. الهداية ج 3 ص 315. [3] كتب -و-. [4] ومثله = ساقطة -و-.