أربعة وعشرون ميلًا ونيته أن يعود من فوره [1] إلى وطنه لم يقصر. وقد سئل في المدونة عن السعاة. فقال ما أدري ما السعاة؟ وذكر أن مغ يدور في القرى وفي دورانه أربعة برد يقصر. وإنما امتنع عن الجواب في السعاة لأنهم قد يخرجون لأخذ الزكاة على غير وجهها فيكون سفرهم سفر معصية. وسفر المعصية لا يقصر فيه على أحد القولين. فلما في سفرهم من التفصيل عدل عنه إلى ذكر ما لاتفصيل فيه. وهذا الذي ذكره في الدائر في القرى، وليس بين منزله وأقصاها أربعة برد، محمول على أنه يلفق الأربعة برد من تطواف لا يَعُد منه ما كان [2] رجوعًا إلى البلد. فإذا ضرب يمينًا وأمامًا وشمالًا احتسب ذلك كله. فإذا استدبر وجهته راجعًا في طريق بلده قاصدًا الرجوع إليها لم يحتسب بذلك في الأربعة برد. ولو كان سير المسافر في بر وبحر فقد قال عبد الملك من توجه إلى سفر فيه بر وبحر فإن كان في أقصاه باتصال البر مع البحر ما يقصر قصر. قال ابن المواز وإن كان ليس بينه وبين البحر ما يقصر فيه، وهو يجري في البحر بالريح وغير الريح فإنه يقصر. فإن كان لا يجري في البحر إلا بريح فلا يقصر حتى يبرز عن موضع إقلاعه. ولو كان في سفره طريقان أحدهما لا يبلغ مسافة القصر والآخر يبلغها، فان سلك الطريق الأقصر لم يقصر لقصورها عن مسافة القصر.
وإن سلك الطريق الأبعد، فان كان لغرض فيها كالأمن أو السهولة أو حاجة لا بد منها فإنه يقصر. وإن كان لغير غرض ففي السليمانية لا ينبغي له أن يقصر.
لأن تركه القاصرة وأخذه بغيرها لغير معنى عبث. ومن كان عابثًا لا يقصر. وهو أحد قولي الشافعية. والقول الثاني عندهم القصر. وبه قال أبو حنيفة.
فوجه منع القصر ما علل به في السليمانية. قال بعض أصحاب الشافعي قياسًا على ما لو مشى في الطريق يمينًا وشمالًا حتى طال سفره. قال ووجه القول الآخر أنه سفر مباح، فجاز فيه القصر، كما لو سلك هذا الطريق لغرض.
قالت طائفة منهم هذا ليس بصحيح لأنا لا نسلم أنه السفر المباح. لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال إن الله سبحانه وتعالى يبغض المشائين من غير إرب.
يعني من غير حاجة. [1] أربعة وعشرون ونيته أن يعود إلى وطنه -و-. [2] يكون - قث.