الليث بظاهر هذا الحديث فكره الصلاة في القبور والجلوس عليها والاتكاء إليها، ورأى للميت حرمة تمنع من القعود والاتكاء عليه. وقال بعض أصحابنا مجيبًا عن خبر النهي عن الصلاة في المقبرة فحمل النهي على مقبرة المشركين.
لأن الصلاة رحمة ولأن الغالب عليهم النجاسة فلا يتحفظون أن تصيب قبورهم. وهذا الذي ذكره من حمل النهي على مقبرة المشركين قد نص الشيخ أبو محمَّد على المنع من الصلاة في مقبرة المشركين، وعلل بعض أصحابنا ذلك بأنها بقعة خصت بأهل العذاب فشرع اجتنابها كما شرع تحري مواضع الصالحين. وهكذا حمل ابن حبيب خبر النهي عن الصلاة في المقبرة في الحديث الذي قدمناه المذكور فيه تعديد ما نهى عنه من المواطن تأويله أنه في مقبرة المشركين لأنها حفرة من حفر النار. وأما مقبرة المسلمين فلا، عامرة كانت أو داثرة. قال بعضهم يريد إلا أن تكون مبعثرة، فلا يصلَّى فيها. قال ابن حبيب فيمن صلى في مقبرة المشركين وهي عامرة أعاد أبدًا في العمد والجهل. وإذا كانت دارسة لم يعد، وقد أخطأ. وهذا الذي حكيناه عن بعضهم من تقييده كلامَ ابن حبيب بأن لا تكون مبعثرة فيه نظر. فإن مالكًا ق الذيها لا بأس به وإن كانت دارسة. قال بعض المتأخرين هذا بناءً أن المؤمن لا ينجس بالموت. وقال وقول القاضي أبي محمَّد لا يصلي في المقابر التي يكون فيها النبش، مبني على أن المؤمن [1] ينجس بالموت.
وأما الصلاة في الحمام فأنجازها مالك في المدونة. وقال القاضي أبو محمَّد *تكره الصلاة داخل الحمّام. وبالكراهة قالت الشافعية. وبالمنع قال ابن حنبل فلا تصح الصلاة عنده فيه لحديث النهي عن ذلك. ومحمل النهي عن ذلك على الكراهة إذا أثبتناها كما أثبتها القاضي أبو محمَّد* [2] وإن احتج أحمد بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمّام " [3]. تأولناه كما [1] الميت - قث. [2] ما بين النجمين = ساقط -و-. [3] رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجة. نيل الأوطار ج 2 ص 135.