الشياطين مخلوقة نهي عن الصلاة ولو بسط عليها ثوبًا كما قاله مالك. وإن عللنا بالنفار لم يصل في مباركها ما دامت فيها، وأن تُيقن طهارتها ويصلي فيها بعد أن تزول عنها. وهذا تنبيه على طرد التفريع على ما بقي من التعليل. وحكى ابن مُزيَنْ أن الإبل المؤبلة [1] لا بأس بالصلاة في مواضعها. قال الشيخ أبو القاسم ابن الكاتب إنما النهي عن المعاطن التي اعتادت الإبل أن تغدو منها وتروح إليها. وأما لو باتت إبل سُفّار في بعض المناهل لجازت الصلاة فيها.
لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلي إلى بعيره في السفر فإن صلى فيها فصل وهو منهي عن الصلاة فيها فاختلف فيها فقال أصبغ يعيد في الوقت. وقال ابن حبيب إن كان عامدًا أو جاهلًا أعاد أبدًا، كمن صلى على موضع نجس. فكأن ابن حبيب رأى أن الظن بحصول النجاسة كاليقين بحصولها. فإذا كان الغالب نجاسة المبارك كانت الصلاة فيها كالصلاة في موضع تحقق نجاسته. وكان أصبغ رأى اختلاف التعليل [2] في ذلك وأن التعليل بأحدها، وهو كون المبارك تخالطها النجاسة أمر غير محقق، ولا مقطوع به.
فكان حكمه الاستظهار بإعادة الصلاة في الوقت، وإعادتها بعد الوقت إنما يكون مع عدم الإجزاء. ولا دليل ها هنا يمنع الإجزاء.
وأما الصلاة في مراح الغنم فإنها جائزة لسلامتها من سائر العلل المذكررة، ولأنه عليه الصلاة والسلام كان يصلي في مرابض الغنم. ولم ينقل في ذلك خلاف عن أحد من أهل العلم. وعلى هذا الأصل مضى ابن حبيب فيما ذكره [3] في الأحاديث المتقدمة من النهي عن الصلاة في المجزرة والمزبلة ومحجة الطريق لما كان الغالب نجاسة هذه المواضع. فاجرى الصلاة في هذه المواضع [4] مجرى من صلى في موضع يتحقق نجاسته. فإن كان عامدًا أو جاهلًا أعاد أبدًا وإن كان ساهيًا أعاد في الوقت، وهذا إذا صلى في الطريق [1] وهي التي استغنت برعي الكلإ عن الماء. [2] التعاليل - قث. [3] ذكر - قث. [4] المواضع = ساقطة -و-.