وظاهر هذا أنه قد سلب حكماه: [1] الطهارة والتطهير. ووجه ذلك قوله عليه السلام: إذا كان الماء قلتين لم يحمل نجسًا [2]. دليله أنه إذا كان دون القلتين حمل النجس. وقوله عليه السلام: لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه [3].
فإنما نهى عن ذلك لأنه ينجس بالبول. وروي عن مالك ما ظاهره أن هذا الماء باق عنده على أصله [4] لم يسلب حكماه ولا أحدهما. ووجه ذلك قوله عليه السلام: الماء طهور لا ينجسه شيء [5]. وهذا على عمومه إلا ما خصه الدليل. وأيضًا فإنه عليه السلام أمر بصب ذنوب من ماء على بول الأعرابي [6]. والذنوب الدلو الكبير ومعلوم أن هذا الماء الذي أمر بصبه يخالط النجاسة، والبقعة مع هذا تطهير به.
ولا فرق بين ورود الماء على النجاسة أو ورودها عليه. لأن المخالطة حصلت في الحالين. فلا اعتبار بتقدم أحد الشيئين. وأيضًا فإن الأنهار العظيمة طاهرة إجماعًا، كالنيل وشبهه. مع كون النجاسة تنبعث إليها، والمواضع المتغيرة بالنجاسة منها نجسة. فدل على أن التغير علة التأثير. فإذا حصل أثر، وإذا لم يحصل بقي الماء على أصله. وهذا يجب طرده في قليل المياه [1] حكم -ق-. [2] حديث القلتين أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم والدارقطني والبيهقي وغيرهم - الهداية ج 1 ص 269/ 271. [3] لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يغتسل منه. أخرجه الستة وأحمد وغيرهم عن أبي هريرة - الهداية ج 1 ص 255. [4] باق على أصل خلقته -ق-. [5] أخرجه أحمد عن ابن عباس: الماء لا ينجسه شيء ج 1 ص 235.
وروي بلفظ الماء طهور لا ينجسه شيء - أخرجه الترمذي وعلق عليه.
أخرجه أحمد وأبو داود. العارضة ج 1 ص 83. وهو عند أحمد بهذا اللفظ عن أبي سعيد الخدري من طريقين. ج 3 ص 86. [6] أخرجه الشيخان البخاري وضوء 58 ومسلم طهارة ج 9 ص 236. ولفظ مسلم - عن يبيح ابن سعيد أنه سمع أنس بن مالك يذكر أن أعرابيًا قام إلى ناحية في المسجد فبال فيها فصاح به الناس فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دعوه. فلما فرغ أمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذنوب فصب على بوله.