والتحقيق ما ذكرناه أولًا. وذلك إنا إنما نثبت [1] الفضيلة بعد تيقن حصول الواجب والعلم بأنه قد [2] أتى به. وإذا كان متيقنًا بحصول الواجب وعالمًا بأنه قد أتى به فيستحيل أن يتشكك في ذلك في حال علمه به [3] لأن الشك والعلم ضدان لا يجتمعان باتفاق العقلاء. وإن كان لم يتيقن أنه أتى بالواجب فإنه مطلوب به ولا يمكن أن نأمره [4] بفعل الفضيلة والواجب باق عليه. وهذا واضح على أنه لو صحت هذه الطريقة وأتى بالثانية على وجه التشكك الذي ذكروه فإنه إن تيقن بعد ذلك أنه أبقى في الأولى شيئًا فإن في اعتداده في ذلك بهذه الغسلة التي أوقعها على هذه الصفة اختلافًا في المذهب متى أوقعها، ولم يخلص فيها نية الوجوب، ويجردها من نية الاستظهار.
وقد ذهب بعض المتأخرين من أصحابنا أيضًا إلى أنه يوقع الثانية بنية إكمال الفرض لا بنية الفضل المجرد. وشبّه ذلك بما قاله من تقدم من أئمتنا فيمن صلى وحده فإنه إذا أعاد في الجماعة، فإنه لا يعيد بنية الفضل [5] المجرد. وهذا التشبيه عندي غير صحيح. لأن الله سبحانه فرض الصلاة على المكلف. وخيره بين أن يوقعها وحده وبين أن يوقعها في جماعة. وأخبر مع هذا التخيير أن إيقاعها في جماعة أفضل عنده وأقرب إليه. فإذا أوقعها المكلف وحده وأعادها في الجماعة، صح أن يقصد إلى تحصيل صفة، إيقاع الفرض عليها أكمل وأفضل، وهي الجماعة. ولكن هذه الصفة لا يمكنه تجديدها وإيقاعها متميزة عن نفس الصلاة، فأعاد نفس الصلاة لتحصيل هذه الفضيلة التي لا تتميز من الصلاة. ولو أوقع الصلاة في أول مرة على هذه الصفة لم يبق له فضل يطلبه ويقصد إليه. والمرة الأولى مستقلة بنفسها، ومتجردة عن الثانية، والفرض قد كمل بإيقاعها. وليست المرة الثانية بصفة لها غير متميزة عنها ومتجردة منها، فيقال أن القصد بالثانية [1] أثبتنا -و-. [2] ساقطة -و-. [3] ساقطة -ح-. [4] يأمره -ح -ق-. [5] الفرض -ح-.