responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 218
حَتَّى إِذَا تَمَكَّنَ حُبُّهَا مِنْ قَلْبِهِ، بَذَلَتْ لَهُ نَفْسَهَا إِنْ دَخَلَ فِي دِينِهَا، فَهُنَالِكَ: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [سُورَةُ إِبْرَاهِيمَ: 27] .
وَفِي الْعِشْقِ مِنْ ظُلْمِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْعَاشِقِ وَالْمَعْشُوقِ لِصَاحِبِهِ بِمُعَاوَنَتِهِ لَهُ عَلَى الْفَاحِشَةِ، وَظُلْمِهِ لِنَفْسِهِ مَا فِيهِ، فَكُلٌّ مِنْهُمَا ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَصَاحِبِهِ، وَظُلْمُهُمَا مُتَعَدٍّ إِلَى الْغَيْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ ظُلْمُهُمَا بِالشِّرْكِ، فَقَدْ تَضَمَّنَ الْعِشْقُ أَنْوَاعَ الظُّلْمِ كُلَّهَا.
وَالْمَعْشُوقُ إِذَا لَمْ يَتَّقِ اللَّهَ فَإِنَّهُ يُعَرِّضُ الْعَاشِقَ لِلتَّلَفِ، وَذَلِكَ ظُلْمٌ مِنْهُ، بِأَنْ يُطْمِعَهُ فِي نَفْسِهِ وَيَتَزَيَّنَ لَهُ وَيَسْتَمِيلَهُ بِكُلِّ طَرِيقٍ حَتَّى يَسْتَخْرِجَ مِنْهُ مَالَهُ وَنَفْعَهُ وَلَا يُمَكِّنُهُ مِنْ نَفْسِهِ، لِئَلَّا يَزُولَ غَرَضُهُ بِقَضَاءِ وَطَرِهِ مِنْهُ، فَهُوَ يَسُومُهُ سُوءَ الْعَذَابِ، وَالْعَاشِقُ رُبَّمَا قَتَلَ مَعْشُوقَهُ لِيَشْفِيَ نَفْسَهُ مِنْهُ، وَلَا سِيَّمَا إِذَا جَادَ بِالْوِصَالِ لِغَيْرِهِ، فَكَمْ لِلْعِشْقِ مِنْ قَتِيلٍ مِنَ الْجَانِبَيْنِ، وَكَمْ أَزَالَ مِنْ نِعْمَةٍ، وَأَفْقَرَ مِنْ غِنًى، وَأَسْقَطَ مِنْ مَرْتَبَةٍ، وَشَتَّتَ مِنْ شَمْلٍ، وَكَمْ أَفْسَدَ مِنْ أَهْلٍ لِلرَّجُلِ وَوَلَدِهِ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا رَأَتْ بَعْلَهَا عَاشِقًا لِغَيْرِهَا اتَّخَذَتْ هِيَ مَعْشُوقًا لِنَفْسِهَا، فَيَصِيرُ الرَّجُلُ مُتَرَدِّدًا بَيْنَ خَرَابِ بَيْتِهِ بِالطَّلَاقِ وَبَيْنَ الْقِيَادَةِ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُؤْثِرُ هَذَا، وَمِنْهُمْ مَنْ يُؤْثِرُ هَذَا.
فَعَلَى الْعَاقِلِ أَنْ لَا يُحَكِّمَ عَلَى نَفْسِهِ عِشْقَ الصُّوَرِ، لِئَلَّا يُؤَدِّيَهُ ذَلِكَ إِلَى هَذِهِ الْمَفَاسِدِ أَوْ أَكْثَرِهَا أَوْ بَعْضِهَا، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَهُوَ الْمُفَرِّطُ بِنَفَسِهِ الْمُغَرِّرُ بِهَا، فَإِذَا هَلَكَتْ فَهُوَ الَّذِي أَهْلَكَهَا، فَلَوْلَا تَكْرَارُهُ النَّظَرَ إِلَى وَجْهِ مَعْشُوقِهِ وَطَمَعُهُ فِي وِصَالِهِ لَمْ يَتَمَكَّنْ عِشْقُهُ مِنْ قَلْبِهِ، فَإِنَّ أَوَّلَ أَسْبَابِ الْعِشْقِ الِاسْتِحْسَانُ سَوَاءٌ تَوَلَّدَ عَنْ نَظَرٍ أَوْ سَمَاعٍ، فَإِنْ لَمْ يُقَارِنْهُ طَمَعٌ فِي الْوِصَالِ وَقَارَنَهُ الْإِيَاسُ مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ الْعِشْقُ، فَإِنِ اقْتَرَنَ بِهِ الطَّمَعُ فَصَرَفَهُ عَنْ فِكْرِهِ وَلَمْ يَشْغَلْ قَلْبَهُ بِهِ؛ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ ذَلِكَ، فَإِنْ أَطَالَ مَعَ ذَلِكَ الْفِكْرَ فِي مَحَاسِنِ الْمَعْشُوقِ وَقَارَنَهُ خَوْفُ مَا هُوَ أَكْبَرُ عِنْدَهُ مِنْ لَذَّةِ وِصَالِهِ، إِمَّا خَوْفٌ دِينِيٌّ كَدُخُولِ النَّارِ، وَغَضَبِ الْجَبَّارِ، وَاحْتِقَابِ الْأَوْزَارِ، وَغَلَبَ هَذَا الْخَوْفُ عَلَى ذَلِكَ الطَّمَعِ وَالْفِكْرِ؛ لَمْ يَحْدُثْ لَهُ ذَلِكَ الْعِشْقُ، فَإِنْ فَاتَهُ هَذَا الْخَوْفُ فَقَارَنَهُ خَوْفٌ دُنْيَوِيٌّ كَخَوْفِ إِتْلَافِ نَفْسِهِ، أَوْ مَالِهِ، أَوْ ذَهَابِ جَاهِهِ وَسُقُوطِ مَرْتَبَتِهِ عِنْدَ النَّاسِ، وَسُقُوطِهِ مِنْ عَيْنِ مَنْ يَعِزُّ عَلَيْهِ، وَغَلَبَ هَذَا الْخَوْفُ لِدَاعِي الْعِشْقِ دَفَعَهُ، وَكَذَلِكَ إِذَا خَافَ مِنْ فَوَاتِ مَحْبُوبٍ هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ وَأَنْفَعُ لَهُ مِنْ ذَلِكَ الْمَعْشُوقِ، وَقَدَّمَ مَحَبَّتَهُ عَلَى مَحَبَّةِ ذَلِكَ الْمَعْشُوقِ؛ انْدَفَعَ عَنْهُ الْعِشْقُ، فَإِنِ انْتَفَى ذَلِكَ كُلُّهُ، وَغَلَبَتْ مَحَبَّةُ الْمَعْشُوقِ لِذَلِكَ، انْجَذَبَ إِلَيْهِ الْقَلْبُ بِالْكُلِّيَّةِ، وَمَالَتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ كُلَّ الْمَيْلِ.
فَإِنْ قِيلَ: قَدْ ذَكَرْتُمْ آفَاتِ الْعِشْقِ وَمَضَارَّهُ وَمَفَاسِدَهُ، فَهَلَّا ذَكَرْتُمْ مَنَافِعَهُ وَفَوَائِدَهُ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا: رِقَّةُ الطَّبْعِ، وَتَرْوِيحُ النَّفْسِ وَخِفَّتُهَا، وَزَوَالُ ثِقَلِهَا وَرِيَاضَتُهَا، وَحَمْلُهَا عَلَى مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، مِنَ الشَّجَاعَةِ، وَالْكَرَمِ، وَالْمُرُوءَةِ، وَرِقَّةِ الْحَاشِيَةِ، وَلُطْفِ الْجَانِبِ.

نام کتاب : الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي = الداء والدواء نویسنده : ابن القيم    جلد : 1  صفحه : 218
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست