responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 298
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

= وَمِنْ الْعَجَب أَنْ يُقَال: إِذَا اِقْتَرَضَ حَيَوَانًا رَدَّ قِيمَته، وَيُقَاسَ ذَلِكَ عَلَى الْإِتْلَاف وَالْغَصْب فَيُتْرَك مُوجَب النَّصّ الصَّحِيح لِقِيَاسٍ لَمْ يَثْبُت أَصْله بِنَصٍّ وَلَا إِجْمَاع، وَنُصُوص أَحْمَد: أَنَّ الْحَيَوَان فِي الْقَرْض يُضَمْنَ بِمِثْلِهِ. وَقَالَ بَعْض أَصْحَابه: بَلْ بِالْقِيمَةِ طَرْدًا لِلْقِيَاسِ عَلَى الْغَصْب. وَاخْتَلَفَ أَصْحَابه فِي مُوجَب الضَّمَان فِي الْغَصْب وَالْإِتْلَاف عَلَى ثَلَاثَة أَوْجُه:
أَحَدهَا: أَنَّ الْوَاجِب الْقِيمَة فِي غَيْر الْمَكِيل وَالْمَوْزُون.
وَالثَّانِي: الْوَاجِب الْمِثْل فِي الْجَمِيع.
وَالثَّالِث: الْوَاجِب الْمِثْل فِي غَيْر الْحَيَوَان، وَنَصَّ عَلَيْهِ أَحْمَد فِي الثَّوْب وَالْقَصْعَة وَنَحْوهمَا. وَنَصَّ عَلَيْهِ الشَّافِعِيّ فِي الْجِدَار الْمَهْدُوم ظُلْمًا يُعَاد مِثْله، وَأَقْوَل النَّاس بِالْقِيمَةِ أَبُو حَنِيفَة، وَمَعَ هَذَا فَعِنْده، إِذَا أَتْلَفَ ثَوْبًا ثَبَتَ فِي ذِمَّته مِثْله لَا قِيمَته، وَلِهَذَا يَجُوز الصُّلْح عَنْهُ بِأَكْثَر مِنْ قِيمَته، وَلَوْ كَانَ الثَّابِت فِي الذِّمَّة الْقِيمَة لَمَا جَازَ الصُّلْح عَنْهَا بِأَكْثَر مِنْهَا.
فَظَهَرَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَبِر الْمِثْل فَلَا بُدّ مِنْ تَنَاقُضه أَوْ مُنَاقَضَته لِلنَّصِّ الصَّرِيح، وَهَذَا مَا لَا مَخْلَص مِنْهُ.
وَأَصْل هَذَا كُلّه: هُوَ الْحُكُومَة الَّتِي حَكَمَ فِيهَا دَاوُد وَسُلَيْمَان وَقَصَّهَا اللَّه عَلَيْنَا فِي كِتَابه. وَكَانَتْ فِي الْحَرْث، وَهُوَ الْبُسْتَان، وَقِيلَ: إِنَّهَا كَانَتْ أَشْجَار عِنَب. فَنَفَشَتْ فِيهَا الْغَنَم وَالنَّفْش إِنَّمَا يَكُون لَيْلًا فَقَضَى دَاوُدُ لِأَصْحَابِ الْبُسْتَان بِالْغَنَمِ، لِأَنَّهُ اِعْتَبَرَ قِيمَة مَا أَفْسَدَتْهُ، فَوَجَدَهُ يُسَاوِي الْغَنَم، فَأَعْطَاهُمْ إِيَّاهَا، وَأَمَّا سُلَيْمَان فَقَضَى عَلَى أَصْحَاب الْغَنَم بِالْمِثْلِ، وَهُوَ أَنْ يَعْمُرُوا الْبُسْتَان كَمَا كَانَ، ثُمَّ رَأَى أَنَّ مُغَلَّهُ إِلَى حِين عَوْدِهِ يَفُوت عَلَيْهِمْ، وَرَأَى أَنَّ مُغَلّ الْغَنَم يُسَاوِيه، فَأَعْطَاهُمْ الْغَنَم يَسْتَغِلُّونَهَا حَتَّى يَعُود بُسْتَانهمْ كَمَا كَانَ، فَإِذَا عَادَ رَدُّوا إِلَيْهِمْ غَنَمهمْ.
فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِي مِثْل هَذِهِ الْقَضِيَّة عَلَى أَرْبَعَة أَقْوَال:
أَحَدهَا: الْقَوْل بِالْحُكْمِ السُّلَيْمَانِيّ فِي أَصْل الضَّمَان وَكَيْفِيَّته، وَهُوَ أَصَحّ الْأَقْوَال وَأَشَدّهَا مُطَابَقَة لِأُصُولِ الشَّرْع وَالْقِيَاس، كَمَا قَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي كِتَاب مُفْرَد فِي الِاجْتِهَاد وَهَذَا أَحَد الْقَوْلَيْنِ فِي مَذْهَبِ أَحْمَد، نَصَّ عَلَيْهِ فِي غَيْر مَوْضِع، وَيَذْكُر وَجْهًا فِي مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ.
وَالثَّانِي: مُوَافَقَته فِي النَّفْش دُون الْمِثْل، وَهَذَا الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَالِك وَأَحْمَد.
وَالثَّالِث: عَكْسه، وَهُوَ مُوَافَقَته فِي الْمِثْل دُون النَّفْش، وَهُوَ قَوْل دَاوُدَ وَغَيْره فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: إِذَا أَتْلَفَ الْبُسْتَان بِتَفْرِيطِهِ ضَمِنَهُ بِمِثْلِهِ. وَأَمَّا إِذَا اِنْفَلَتَتْ الْغَنَم لَيْلًا لَمْ يَضْمَن صَاحِبهَا مَا أَتْلَفَتْهُ.
وَالرَّابِع: أَنَّ النَّفْش لَا يُوجِب الضَّمَان، وَلَوْ أَوْجَبَهُ لَمْ يَكُنْ بِالْمِثْلِ بَلْ بِالْقِيمَةِ، فَلَمْ تُوَافِقهُ لَا فِي النَّفْش وَلَا فِي الْمِثْل، وَهُوَ مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة، وَهَذَا مِنْ اِجْتِهَادهمْ فِي الْقِيَاس، وَالْعَدْل هُوَ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّه.
فَكُلّ طَائِفَة رَأَتْ الْعَدْل هُوَ قَوْلهَا، وَإِنْ كَانَتْ النُّصُوص وَالْقِيَاس وَأُصُول الشَّرْع تَشْهَد بِحُكْمِ سُلَيْمَان، كَمَا أَنَّ اللَّه سُبْحَانه أَثْنَى عَلَيْهِ بِهِ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ فَهَّمَهُ إِيَّاهُ.
وَذَكَرَ مَأْخَذ هَذِهِ الْأَقْوَال وَأَدِلَّتهَا وَتَرْجِيح الرَّاجِح مِنْهَا لَهُ مَوْضِع غَيْر هَذَا أَلْيَق بِهِ مِنْ هَذَا. وَالْمَقْصُود: أَنَّ الْقِيَاس وَالنَّصّ يَدُلَّانِ عَلَى أَنَّهُ يُفْعَل بِهِ كَمَا فَعَلَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ النَّبِيّ - صلى الله عليه وسلم -: " رَضَخَ رَأْس الْيَهُودِيّ كَمَا رَضَخَ رَأْس الْجَارِيَة، وَأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِنَقْضِ الْعَهْد وَلَا لِلْحِرَابَةِ، لِأَنَّ الْوَاجِب فِي ذَلِكَ الْقَتْل بِالسَّيْفِ، وَعَنْ أَحْمَد ذَلِكَ أَرْبَع رِوَايَات.
إِحْدَاهُنَّ: أَنَّهُ لَا يَسْتَوْفِي فِي الْقَوَد إِلَّا بِالسَّيْفِ فِي الْعُنُق، وَهَذَا مَذْهَب أَبِي حَنِيفَة.
وَالثَّانِيَة: أَنَّهُ يَفْعَل بِهِ كَمَا فَعَلَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا لِحَقِّ اللَّه تَعَالَى، وَهَذَا مَذْهَب مَالِك وَالشَّافِعِيّ.
وَالثَّالِثَة: إِنْ كَانَ الْفِعْل أَوْ الْجُرْح مُرْهِقًا فُعِلَ بِهِ نَظِيره، وَإِلَّا فَلَا.
وَالرَّابِعَة: إِنْ كَانَ الْجُرْح أَوْ الْقَطْع مُوجِبًا لِلْقَوَدِ لَوْ اِنْفَرَدَ فُعِلَ بِهِ نَظِيره، وَإِلَّا فَلَا. وَعَلَى الْأَقْوَال كُلّهَا: إِنْ لَمْ يَمُتْ بِذَلِكَ قُتِلَ.
وَقَدْ أَبَاحَ اللَّه تَعَالَى لِلْمُسْلِمِينَ أَنْ يُمَثِّلُوا بِالْكَفَّارِ إِذَا مَثَّلُوا بِهِمْ، وَإِنْ كَانَتْ الْمُثْلَة مَنْهِيًّا عَنْهَا. فَقَالَ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} وَهَذَا دَلِيل عَلَى أَنَّ الْعُقُوبَة بِجَدْعِ الْأَنْف وَقَطْع الْأُذُن، وَبَقْر الْبَطْن وَنَحْو ذَلِكَ هِيَ عُقُوبَة بِالْمِثْلِ لَيْسَتْ بِعُدْوَانٍ، وَالْمِثْل هُوَ الْعَدْل.
وَأَمَّا كَوْن الْمُثْلَة مَنْهِيًّا عَنْهَا: فَلِمَا رَوَى أَحْمَد فِي مُسْنَده مِنْ حَدِيث سَمُرَة بْن جُنْدُب وَعِمْرَان بْن حُصَيْنٍ قَالَ: " مَا خَطَبَنَا رَسُول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - خُطْبَة إِلَّا أَمَرَنَا بِالصَّدَقَةِ وَنَهَانَا عَنْ الْمُثْلَة ".
فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ لَمْ يَمُتْ إِذْ فُعِلَ بِهِ نَظِير مَا فَعَلَ، فَأَنْتُمْ تَقْتُلُونَهُ، وَذَلِكَ زِيَادَة عَلَى مَا فَعَلَ، فَأَيْنَ الْمُمَاثَلَة؟ قِيلَ: هَذَا يَنْتَقِض بِالْقَتْلِ بِالسَّيْفِ، فَإِنَّهُ لَوْ ضَرَبَهُ فِي الْعُنُق وَلَمْ يُوجِبهُ، كَانَ لَنَا أَنْ نَضْرِبهُ، ثَانِيَة وَثَالِثَة، حَتَّى يُوجِبهُ اِتِّفَاقًا، وَإِنْ كَانَ الْأَوَّل إِذَا ضَرَبَهُ ضَرْبَة وَاحِدَة.
وَاعْتِبَار الْمُمَاثَلَة لَهُ طَرِيقَانِ:
إِحْدَاهُمَا: اِعْتِبَار الشَّيْء بِنَظِيرِهِ وَمِثْله. وَهُوَ قِيَاس الْعِلَّة الَّذِي يَلْحَق فِيهِ الشَّيْء بِنَظِيرِهِ.
وَالثَّانِي: قِيَاس الدَّلَالَة الَّذِي يَكُون الْجَمْع فِيهِ بَيْن الْأَصْل وَالْفَرْع، بِدَلِيلِ الْعِلَّة وَلَازِمهَا، فَإِنْ اِنْضَافَ إِلَى وَاحِد مِنْ هَذَيْنِ عُمُوم لَفْظِيّ: كَانَ مِنْ أَقْوَى الْأَدِلَّة، لِاجْتِمَاعِ الْعُمُومَيْن: اللَّفْظِيّ وَالْمَعْنَوِيّ، وَتَضَافُر الدَّلِيلَيْنِ: السَّمْعِيّ وَالِاعْتِبَارِيّ.
فَيَكُون مُوجِب الْكِتَاب وَالْمِيزَان، وَالْقِصَاص فِي مَسْأَلَتنَا: هُوَ مِنْ هَذَا الْبَاب كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيره، وَهَذَا وَاضِح لَا خَفَاء بِهِ، وَلِلَّهِ الْحَمْد وَالْمِنَّة
وانظر فتاوى ورسائل محمد بن إبراهيم آل الشيخ - (ج 7 / ص 53) والموسوعة الفقهية1 - 45 كاملة - (ج 2 / ص 12149) ودرر الحكام شرح غرر الأحكام - (ج 5 / ص 130) والمجموع شرح المهذب - (ج 13 / ص 38) والقواعد لابن رجب - (ج 1 / ص 455) والطرق الحكمية - (ج 1 / ص 351).
نام کتاب : الحسبة لابن تيمية - ت الشحود نویسنده : ابن تيمية    جلد : 1  صفحه : 298
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست