مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
العربیة
راهنمای کتابخانه
جستجوی پیشرفته
همه کتابخانه ها
صفحهاصلی
علوم القرآن
الفقه
علوم الحديث
الآدب
العقيدة
التاریخ و السیرة
الرقاق والآداب والأذكار
الدعوة وأحوال المسلمين
الجوامع والمجلات ونحوها
الأشخاص
علوم أخرى
فهارس الكتب والأدلة
مرقم آلیا
همهگروهها
نویسندگان
الحدیث
علوم الحديث
العلل والسؤالات
التراجم والطبقات
الأنساب
همهگروهها
نویسندگان
متون الحديث
الأجزاء الحديثية
مخطوطات حديثية
شروح الحديث
كتب التخريج والزوائد
همهگروهها
نویسندگان
مدرسه فقاهت
کتابخانه مدرسه فقاهت
کتابخانه تصویری (اصلی)
کتابخانه اهل سنت
کتابخانه تصویری (اهل سنت)
ویکی فقه
ویکی پرسش
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
صفحهبعدی»
صفحهآخر»»
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
بعدی»
آخر»»
نام کتاب :
الجامع الصحيح للسنن والمسانيد
نویسنده :
صهيب عبد الجبار
جلد :
4
صفحه :
79
(م) , وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ - رضي الله عنه - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -: " مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ
[1]
فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ , فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ
[2]
وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ (
[3]
) " (4)
[1]
قَوْله - صلى الله عليه وسلم -: (فَلْيُغَيِّرْهُ) أَمْرُ إِيجَابٍ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّة , وَقَدْ تَطَابَقَ عَلَى وُجُوب الْأَمْر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَإِجْمَاعُ الْأُمَّة , وَهُوَ أَيْضًا مِنْ النَّصِيحَةِ الَّتِي هِيَ الدِّين.
وَلَمْ يُخَالِف فِي ذَلِكَ إِلَّا بَعْضُ الرَّافِضَة، وَلَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ كَمَا قَالَ أَبُو الْمَعَالِي إِمَام الْحَرَمَيْنِ: لَا يُكْتَرَث بِخِلَافِهِمْ فِي هَذَا، فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يَنْبُغَ هَؤُلَاءِ , وَوُجُوبُهُ بِالشَّرْعِ لَا بِالْعَقْلِ , خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ.
وَأَمَّا قَوْل الله - عز وجل -: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ , لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اِهْتَدَيْتُمْ} فَلَيْسَ مُخَالِفًا لِمَا ذَكَرْنَاهُ , لِأَنَّ الْمَذْهَبَ الصَّحِيحَ عِنْدَ الْمُحَقِّقِينَ فِي مَعْنَى الْآيَة: أَنَّكُمْ إِذَا فَعَلْتُمْ مَا كُلِّفْتُمْ بِهِ , فَلَا يَضُرُّكُمْ تَقْصِيرُ غَيْركُمْ , مِثْل قَوْلِه تَعَالَى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ , فَمِمَّا كُلِّفَ بِهِ: الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَر، فَإِذَا فَعَلَهُ وَلَمْ يَمْتَثِلْ الْمُخَاطَبُ , فَلَا عَتْبَ بَعْد ذَلِكَ عَلَى الْفَاعِل , لِكَوْنِهِ أَدَّى مَا عَلَيْهِ , فَإِنَّمَا عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَالنَّهْي , لَا الْقَبُول.
ثُمَّ إِنَّ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنْ الْمُنْكَر فَرْضُ كِفَايَة , إِذَا قَامَ بِهِ بَعْضُ النَّاسِ , سَقَطَ الْحَرَجُ عَنْ الْبَاقِينَ، وَإِذَا تَرَكَهُ الْجَمِيعُ , أَثِمَ كُلُّ مَنْ تَمَكَّنَ مِنْهُ بِلَا عُذْرٍ وَلَا خَوْف.
ثُمَّ إِنَّهُ قَدْ يَتَعَيَّنُ , كَمَا إِذَا كَانَ فِي مَوْضِعٍ لَا يَعْلَمُ بِهِ إِلَّا هُوَ , أَوْ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ إِزَالَتِه إِلَّا هُوَ، وَكَمَنْ يَرَى زَوْجَتَه أَوْ وَلَدَه أَوْ غُلَامَه عَلَى مُنْكَرٍ أَوْ تَقْصِيرٍ فِي الْمَعْرُوف.
قَالَ الْعُلَمَاء - رضي الله عنهم -: وَلَا يَسْقُطُ عَنْ الْمُكَلَّفِ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ لِكَوْنِهِ لَا يُفِيدُ فِي ظَنِّهِ , بَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ فِعْلُهُ , {فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ}. وَقَدْ قَدَّمْنَا أَنَّ الَّذِي عَلَيْهِ هُو الْأَمْرُ وَالنَّهْي , لَا الْقَبُول , وَكَمَا قَالَ الله - عز وجل -: {مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ}.
وَمَثَّلَ الْعُلَمَاءُ هَذَا بِمَنْ يَرَى إِنْسَانًا فِي الْحَمَّامِ أَوْ غَيْرِهِ مَكْشُوفَ بَعْضِ الْعَوْرَةِ وَنَحْو ذَلِكَ.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَا يُشْتَرَطُ فِي الْآمِرِ وَالنَّاهِي أَنْ يَكُونَ كَامِلَ الْحَال , مُمْتَثِلًا مَا يَأمُر بِهِ , مُجْتَنِبًا مَا يَنْهَى عَنْهُ، بَلْ عَلَيْهِ الْأَمْرُ وَإِنْ كَانَ مُخِلًّا بِمَا يَأمُر بِهِ، وَعَلَيْهِ النَّهْيُ وَإِنْ كَانَ مُتَلَبِّسًا بِمَا يَنْهَى عَنْهُ؛ فَإِنَّهُ يَجِب عَلَيْهِ شَيْئَانِ: أَنْ يَأمُرَ نَفْسَهُ وَيَنْهَاهَا، وَيَأمُرَ غَيْرَهُ وَيَنْهَاهُ، فَإِذَا أَخَلَّ بِأَحَدِهِمَا , كَيْف يُبَاحُ لَهُ الْإِخْلَالُ بِالْآخَرِ؟.
قَالَ الْعُلَمَاء: وَلَا يَخْتَصُّ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيُ عَنْ الْمُنْكَرِ بِأَصْحَابِ الْوِلَايَات , بَلْ ذَلِكَ جَائِز لِآحَادِ الْمُسْلِمِينَ.
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ: وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ إِجْمَاعُ الْمُسْلِمِينَ؛ فَإِنَّ غَيْرَ الْوُلَاةِ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ وَالْعَصْرِ الَّذِي يَلِيه , كَانُوا يَأمُرُونَ الْوُلَاة بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَهُمْ عَنْ الْمُنْكَر، مَعَ تَقْرِير الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ، وَتُرِكَ تَوْبِيخُهُمْ عَلَى التَّشَاغُل بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ , وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر مِنْ غَيْر وِلَايَة , ثُمَّ إِنَّهُ إِنَّمَا يَأمُرُ وَيَنْهَى مَنْ كَانَ عَالِمًا بِمَا يَأمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ؛ وَذَلِكَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الشَّيْء؛ فَإِنْ كَانَ مِنْ الْوَاجِبَاتِ الظَّاهِرَة، وَالْمُحَرَّمَاتِ الْمَشْهُورَة , كَالصَّلَاةِ , وَالصِّيَام , وَالزِّنَا , وَالْخَمْر , وَنَحْوهَا، فَكُلُّ الْمُسْلِمِينَ عُلَمَاءٌ بِهَا، وَإِنْ كَانَ مِنْ دَقَائِق الْأَفْعَالِ وَالْأَقْوَال , وَمِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالِاجْتِهَادِ , لَمْ يَكُنْ لِلْعَوَامِّ مَدْخَلٌ فِيهِ، وَلَا لَهُمْ إِنْكَارُه، بَلْ ذَلِكَ لِلْعُلَمَاءِ.
ثُمَّ الْعُلَمَاءُ إِنَّمَا يُنْكِرُونَ مَا أُجْمِعَ عَلَيْهِ , أَمَّا الْمُخْتَلَف فِيهِ , فَلَا إِنْكَارَ فِيهِ , لِأَنَّ عَلَى أَحَدِ الْمَذْهَبَيْنِ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ , وَهَذَا هُوَ الْمُخْتَارُ عِنْد كَثِيرِينَ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ أَوْ أَكْثَرهمْ.
وَعَلَى الْمَذْهَبِ الْآخَر: الْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَالْمُخْطِئُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لَنَا، وَالْإِثْمُ مَرْفُوعٌ عَنْهُ.
لَكِنْ إِنْ نَدَبَهُ عَلَى جِهَةِ النَّصِيحَة إِلَى الْخُرُوجِ مِنْ الْخِلَاف , فَهُوَ حَسَنٌ مَحْبُوبٌ مَنْدُوبٌ إِلَى فِعْلِهِ بِرِفْقٍ؛ فَإِنَّ الْعُلَمَاء مُتَّفِقُونَ عَلَى الْحَثِّ عَلَى الْخُرُوج مِنْ الْخِلَافِ إِذَا لَمْ يَلْزَمْ مِنْهُ إِخْلَالٌ بِسُنَّةٍ, أَوْ وُقُوعٍ فِي خِلَافٍ آخَر وَذَكَرَ أَقْضَى الْقُضَاة أَبُو الْحَسَن الْمَاوَرْدِيُّ الْبَصْرِيُّ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِه " الْأَحْكَام السُّلْطَانِيَّةُ " خِلَافًا بَيْن الْعُلَمَاء فِي أَنَّ مَنْ قَلَّدَهُ السُّلْطَانُ الْحِسْبَة , هَلْ لَهُ أَنْ يَحْمِلَ النَّاسَ عَلَى مَذْهَبِهِ فِيمَا اِخْتَلَفَ فِيهِ الْفُقَهَاءُ إِذَا كَانَ الْمُحْتَسِبُ مِنْ أَهْل الِاجْتِهَاد , أَمْ لَا يُغَيِّرُ مَا كَانَ عَلَى مَذْهَبِ غَيْره؟ , وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ , لِمَا ذَكَرْنَاهُ
وَلَمْ يَزَل الْخِلَافُ فِي الْفُرُوع بَيْن الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَمَنْ بَعْدَهُمْ رَضِيَ الله عَنْهُمْ أَجْمَعِينَ , وَلَا يُنْكِرُهُ مُحْتَسِبٌ وَلَا غَيْرُه عَلَى غَيْرِه.
وَكَذَلِكَ قَالُوا: لَيْسَ لِلْمُفْتِي وَلَا لِلْقَاضِي أَنْ يَعْتَرِضَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ إِذَا لَمْ يُخَالِفْ نَصًّا , أَوْ إِجْمَاعًا , أَوْ قِيَاسًا جَلِيًّا.
وَاعْلَمْ أَنَّ بَابَ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَنْ الْمُنْكَر قَدْ ضُيِّعَ أَكْثَرُه مِنْ أَزْمَانٍ مُتَطَاوِلَة، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْأَزْمَان إِلَّا رُسُومٌ قَلِيلَة جِدًّا , وَهُوَ بَابٌ عَظِيم , بِهِ قِوَامُ الْأَمْرِ وَمِلَاكُهُ , وَإِذَا تُرِكَ عَمَّ الْعِقَابُ الصَّالِحَ وَالطَّالِحَ وَإِذَا لَمْ يَأخُذُوا عَلَى يَدِ الظَّالِم , أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمْ الله تَعَالَى بِعِقَابِهِ {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} فَيَنْبَغِي لِطَالِبِ الْآخِرَة، وَالسَّاعِي فِي تَحْصِيل رِضَا الله - عز وجل - أَنْ يَعْتَنِيَ بِهَذَا الْبَاب، فَإِنَّ نَفْعَهُ عَظِيم , لَا سِيَّمَا وَقَدْ ذَهَبَ مُعْظَمُهُ، وَيُخْلِصُ نِيَّتَه، وَلَا يُهَادِنُ مَنْ يُنْكِرُ عَلَيْهِ لِارْتِفَاعِ مَرْتَبَتِه؛ فَإِنَّ الله تَعَالَى قَالَ: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} , وَقَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} , وَقَالَ تَعَالَى: {وَاَلَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} , وَقَالَ تَعَالَى: {أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ , وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ , فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ} وَاعْلَمْ أَنَّ الْأَجْرَ عَلَى قَدْرِ النَّصَب.
وَلَا يُتَارِكُهُ أَيْضًا لِصَدَاقَتِهِ وَمَوَدَّتِهِ وَمُدَاهَنَتِه , وَطَلَبِ الْوَجَاهَة عِنْدَه , وَدَوَامِ الْمَنْزِلَةِ لَدَيْهِ؛ فَإِنَّ صَدَاقَتَهُ وَمَوَدَّتَهُ تُوجِبُ لَهُ حُرْمَةً وَحَقًّا، وَمَنْ حَقِّهِ أَنْ يَنْصَحَهُ وَيَهْدِيَهُ إِلَى مَصَالِحِ آخِرَتِه، وَيُنْقِذُهُ مِنْ مَضَارِّهَا , وَصَدِيقُ الْإِنْسَان وَمُحِبُّهُ هُوَ مَنْ سَعَى فِي عِمَارَةِ آخِرَتِهِ , وَإِنْ أَدَّى ذَلِكَ إِلَى نَقْصٍ فِي دُنْيَاهُ , وَعَدُوُّهُ مَنْ يَسْعَى فِي ذَهَابِ أَوْ نَقْصِ آخِرَتِه , وَإِنْ حَصَلَ بِسَبَبِ ذَلِكَ صُورَةُ نَفْعٍ فِي دُنْيَاهُ , وَإِنَّمَا كَانَ إِبْلِيس عَدُوًّا لَنَا لِهَذَا , وَكَانَتْ الْأَنْبِيَاء صَلَوَات الله وَسَلَامه عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ أَوْلِيَاءَ لِلْمُؤْمِنِينَ لِسَعْيِهِمْ فِي مَصَالِحِ آخِرَتِهِمْ وَهِدَايَتهمْ إِلَيْهَا، وَنَسْأَل الله الْكَرِيم تَوْفِيقنَا وَأَحْبَابنَا وَسَائِر الْمُسْلِمِينَ لِمَرْضَاتِهِ، وَأَنْ يَعُمَّنَا بِجُودِهِ وَرَحْمَته.
وَيَنْبَغِي لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهِي عَنْ الْمُنْكَر أَنْ يَرْفُق , لِيَكُونَ أَقْرَبَ إِلَى تَحْصِيلِ الْمَطْلُوب , فَقَدْ قَالَ الْإِمَام الشَّافِعِيُّ - رضي الله عنه -: " مَنْ وَعَظَ أَخَاهُ سِرًّا فَقَدْ نَصَحَهُ وَزَانَهُ، وَمَنْ وَعَظَهُ عَلَانِيَة , فَقَدْ فَضَحَهُ وَشَانَهُ ".
وَمِمَّا يَتَسَاهَلُ أَكْثَرُ النَّاسِ فِيهِ مِنْ هَذَا الْبَاب: مَا إِذَا رَأَى إِنْسَانًا يَبِيعُ مَتَاعًا مَعِيبًا أَوْ نَحْوَه , فَإِنَّهُمْ لَا يُنْكِرُونَ ذَلِكَ، وَلَا يُعَرِّفُونَ الْمُشْتَرِي بِعَيْبِهِ، وَهَذَا خَطَأٌ ظَاهِرٌ , وَقَدْ نَصَّ الْعُلَمَاء عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَى مَنْ عَلِم ذَلِكَ أَنْ يُنْكِر عَلَى الْبَائِع، وَأَنْ يُعْلِم الْمُشْتَرِي بِهِ. شرح النووي (ج 1 / ص 131)
[2]
أَيْ: فَلْيَكْرَهْهُ بِقَلْبِهِ , وَلَيْسَ ذَلِكَ بِإِزَالَةٍ وَتَغْيِيرٍ مِنْهُ لِلْمُنْكَرِ , وَلَكِنْ هَذَا الَّذِي فِي وُسْعِهِ. شرح النووي على مسلم - (ج 1 / ص 131)
[3]
أَيْ: أَقَلُّهُ ثَمَرَة، قَالَ الْقَاضِي عِيَاض - رحمه الله -: هَذَا الْحَدِيثٌ أَصْلٌ فِي صِفَةِ التَّغْيِير , فَحَقُّ الْمُغَيِّرِ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِكُلِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ زَوَالُه بِهِ , قَوْلًا كَانَ أَوْ فِعْلًا فَيَكْسِرُ آلَاتِ الْبَاطِل، وَيُرِيقُ الْمُسْكِرَ بِنَفْسِهِ، أَوْ يَأمُرُ مَنْ يَفْعَلُهُ، وَيَنْزِعُ الْغُصُوبَ وَيَرُدَّهَا إِلَى أَصْحَابِهَا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِأَمْرِهِ إِذَا أَمْكَنَهُ , وَيَرْفُقُ فِي التَّغْيِيرِ جَهْدَهُ بِالْجَاهِلِ , وَبِذِي الْعِزَّةِ الظَّالِمِ الْمَخُوفِ شَرُّه؛ إِذْ ذَلِكَ أَدْعَى إِلَى قَبُولِ قَوْلِه , كَمَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يَكُونَ مُتَوَلِّي ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاحِ وَالْفَضْلِ لِهَذَا الْمَعْنَى , وَيُغْلِظُ عَلَى الْمُتَمَادِي فِي غَيِّه، وَالْمُسْرِفُ فِي بَطَالَتِه؛ إِذَا أَمِنَ أَنْ يُؤَثِّرَ إِغْلَاظُه , مُنْكَرًا أَشَدَّ مِمَّا غَيَّرَهُ , لِكَوْنِ جَانِبِه مَحْمِيًّا عَنْ سَطْوَةِ الظَّالِم.
فَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ تَغْيِيرَهُ بِيَدِهِ يُسَبِّبُ مُنْكَرًا أَشَدُّ مِنْهُ , مِنْ قَتْلِهِ أَوْ قَتْلِ غَيْرِه بِسَبَبٍ , كَفَّ يَدَهُ، وَاقْتَصَرَ عَلَى الْقَوْلِ بِاللِّسَانِ وَالْوَعْظِ وَالتَّخْوِيف , فَإِنْ خَافَ أَنْ يُسَبِّبَ قَوْلُهُ مِثْل ذَلِكَ , غَيَّرَ بِقَلْبِهِ، وَكَانَ فِي سَعَة، وَهَذَا هُوَ الْمُرَاد بِالْحَدِيثِ إِنْ شَاءَ الله تَعَالَى.
وَإِنْ وَجَدَ مَنْ يَسْتَعِينُ بِهِ عَلَى ذَلِكَ اِسْتَعَانَ , مَا لَمْ يُؤَدِّ ذَلِكَ إِلَى إِظْهَارِ سِلَاحٍ وَحَرْبٍ، وَلْيَرْفَع ذَلِكَ إِلَى مَنْ لَهُ الْأَمْرُ إِنْ كَانَ الْمُنْكَرُ مِنْ غَيْرِه، أَوْ يَقْتَصِرُ عَلَى تَغْيِيرِه بِقَلْبِهِ , هَذَا هُوَ فِقْهُ الْمَسْأَلَة، وَصَوَاب الْعَمَلِ فِيهَا عِنْد الْعُلَمَاء وَالْمُحَقِّقِينَ , خِلَافًا لِمَنْ رَأَى الْإِنْكَارَ بِالتَّصْرِيحِ بِكُلِّ حَالٍ , وَإِنْ قُتِلَ , وَنِيلَ مِنْهُ كُلُّ أَذَى , هَذَا آخِر كَلَام الْقَاضِي رَحِمَهُ الله.
قَالَ إِمَام الْحَرَمَيْنِ - رحمه الله -: وَيَسُوغُ لِآحَادِ الرَّعِيَّةِ أَنْ يَصُدَّ مُرْتَكِبَ الْكَبِيرَة , وَإِنْ لَمْ يَنْدَفِعْ عَنْهَا بِقَوْلِهِ , مَا لَمْ يَنْتَهِ الْأَمْرُ إِلَى نَصْبِ قِتَالٍ وَشَهْرِ سِلَاح , فَإِنْ اِنْتَهَى الْأَمْرُ إِلَى ذَلِكَ , رَبَطَ الْأَمْر بِالسُّلْطَانِ.
قَالَ: وَإِذَا جَارَ وَالِي الْوَقْت، وَظَهَرَ ظُلْمُهُ وَغَشْمُهُ، وَلَمْ يَنْزَجِرْ حِين زُجِرَ عَنْ سُوءِ صَنِيعِهِ بِالْقَوْلِ، فَلِأَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ التَّوَاطُؤ عَلَى خَلْعِهِ , وَلَوْ بِشَهْرِ الْأَسْلِحَة , وَنَصْبِ الْحُرُوب , هَذَا كَلَامُ إِمَام الْحَرَمَيْنِ.
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ مِنْ خَلْعِهِ غَرِيبٌ، وَمَعَ هَذَا فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا إِذَا لَمْ يُخَفْ مِنْهُ إِثَارَةُ مَفْسَدَةٍ أَعْظَم مِنْهُ.
قَالَ: وَلَيْسَ لِلْآمِرِ بِالْمَعْرُوفِ الْبَحْثُ وَالتَّنْقِيرُ وَالتَّجَسُّس , وَاقْتِحَامُ الدُّور بِالظُّنُونِ، بَلْ إِنْ عَثَرَ عَلَى مُنْكَرٍ غَيَّرَهُ جُهْدَه , هَذَا كَلَام إِمَام الْحَرَمَيْنِ. وَقَالَ أَقْضَى الْقُضَاة الْمَاوَرْدِيُّ: لَيْسَ لِلْمُحْتَسِبِ أَنْ يَبْحَثَ عَمَّا لَمْ يَظْهَرْ مِنْ الْمُحَرَّمَات , فَإِنْ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ اِسْتِسْرَارُ قَوْم بِهَا لِأَمَارَةٍ وَآثَارٍ ظَهَرَتْ، فَذَلِكَ ضَرْبَانِ , أَحَدهمَا: أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي اِنْتَهَاكِ حُرْمَةٍ يَفُوتُ اِسْتِدْرَاكُهَا، مِثْل أَنْ يُخْبِرَهُ مَنْ يَثِقُ بِصِدْقِهِ أَنَّ رَجُلًا خَلَا بِرَجُلٍ لِيَقْتُلهُ , أَوْ بِامْرَأَةِ لِيَزْنِيَ بِهَا , فَيَجُوز لَهُ فِي مِثْل هَذَا الْحَالِ أَنْ يَتَجَسَّسَ، وَيُقْدِمَ عَلَى الْكَشْفِ وَالْبَحْثِ , حَذَرًا مِنْ فَوَاتِ مَا لَا يُسْتَدْرَك , وَكَذَا لَوْ عَرَفَ ذَلِكَ غَيْرُ الْمُحْتَسِبِ مِنْ الْمُتَطَوِّعَة جَازَ لَهُمْ الْإِقْدَامُ عَلَى الْكَشْفِ وَالْإِنْكَار. الضَّرْب الثَّانِي: مَا قَصُرَ عَنْ هَذِهِ الرُّتْبَة , فَلَا يَجُوز التَّجَسُّس عَلَيْهِ، وَلَا كَشْفُ الْأَسْتَارِ عَنْهُ , فَإِنْ سَمِعَ أَصْوَاتَ الْمَلَاهِي الْمُنْكَرَةِ مِنْ دَارٍ أَنْكَرَهَا خَارِج الدَّار , وَلَمْ يَهْجُم عَلَيْهَا بِالدُّخُولِ , لِأَنَّ الْمُنْكَرَ ظَاهِرٌ , وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَكْشِفَ عَنْ الْبَاطِن.
وَبَسَطْتُ الْكَلَامَ فِي هَذَا الْبَابِ لِعِظَمِ فَائِدَتِه، وَكَثْرَةِ الْحَاجَةِ إِلَيْهِ، وَكَوْنِهِ مِنْ أَعْظَمِ قَوَاعِدِ الْإِسْلَام. وَالله أَعْلَم. شرح النووي على مسلم (1/ 131)
(4) (م) 49 , (ت) 2172
نام کتاب :
الجامع الصحيح للسنن والمسانيد
نویسنده :
صهيب عبد الجبار
جلد :
4
صفحه :
79
««صفحهاول
«صفحهقبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
صفحهبعدی»
صفحهآخر»»
««اول
«قبلی
جلد :
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
بعدی»
آخر»»
فرمت PDF
شناسنامه
فهرست
کتابخانه
مدرسه فقاهت
کتابخانهای رایگان برای مستند کردن مقالهها است
www.eShia.ir