اشتراط الأهلية عند الرد على المخالف
ثم السلف من عادتهم أنهم يتورعون في الرد عن أن يدخل الواحد منهم في قضية لم يستعد لها علمياً، فهم يشترطون في الراد الاستعداد والأهلية عند المجادلة والمراء، استعداداً بالعلم واستعداداً بالدليل واستعداداً بالمقدرة، فمن لا يملك العلم ولا يملك المقدرة كان يعتذر، فكثير من السلف كان يعتذر؛ لأنه يرى نفسه غير أهل، كذلك من عنده قدرة على المحاورة لكن ليس عنده دليل؛ فلا يوقع نفسه في مثل هذه الحوارات، فالسلف الذين كان عندهم تمنع كان عندهم هذا السبب؛ إما أن يكون عنده علم لكنه لا يجد في نفسه كفاية واستعداداً ومقدرة، أو عنده استعداد ومقدرة لكن ليس عنده علم كافٍ، فبعضهم تجده يحجم عن مناظرة عتاة الجهمية وعتاة المعتزلة وعتاة الفلاسفة لهذا السبب، ومن وجد في نفسه المقدرة؛ توجب عليه أن يرد، وأن يناضل ويكافح عنها.
وهناك ظاهرة تصدي بعض من ليس لديه المقدرة بدعوى أنهم يمثلون السنة والجماعة لعتاة العقلانيين وعتاة العصرانيين وعتاة العلمانيين عبر القنوات والوسائل الإعلامية المعاصرة.
والكثير من المحاورين يمثل الإسلام، أو يمثل السنة بزعمه لكن تراه يخرج في موقف ضعيف، وهذا خذلان للحق، وخير لنا وله وللإسلام والمسلمين أن يبقى في بيته، والله عز وجل يتولى دينه، إذا لم يكن عنده مقدرة فيجب عليه ألا يتقدم؛ لأنه سيوقع السنة في موقع المخذول، فإذا وقف من يمثل السنة موقف الضعيف؛ صور السنة على أنها هي الضعيفة.
فلذلك يجب ألا يتصدى إلا من وجد في نفسه المقدرة، المقدرة العلمية والدليل، ثم المقدرة الشخصية والموهبة، وهذا لا يعني ألا يشارك طلاب العلم في صد الهجمات الشرسة، بل يجب أن يشاركوا، لكن بعض من يقدرون مع الأسف لم يسهموا، وكثير ممن أسهموا ليس لديهم قدرة؛ فخذلوا الحق من حيث أراد نصره، فيجب على طلاب العلم القادرين أن يبرزوا، وأن يتصدوا عبر الوسائل المتاحة، وإن كانت وسائل فيها نظر، لكن لا بد من ركوب ما يناسب منها، واستعمالها لرد الهجوم الشرس على العقيدة والسنة.