نام کتاب : نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين نویسنده : آمال صادق جلد : 1 صفحه : 373
المراحل الثلاث الأخيرة أوثق اتصالًا بتفكير الراشدين, وهي: بناء الخريطة المجردة abstract mapping, أو قدرة الراشد على إدراك العلاقة بين هويته المجردة والأشخاص الآخرين، وبناء النسق المجرد abstract sysems, أو القدرة على إدراك التآزر المتبادل بين هوية الراشد وغيره من الأشخاص الهامين, وكذلك التوقعات المجتمعية منه، ثم بناء نسق الأنساق المجردة system of abstract systems, ويعني: التآزر بين مختلف جوانب هوية الراشد طوال حيانه حتى يدرك "شخصيته" ككلٍّ له معنى, وهذه المراحل تتطلَّبُ إتقان بعض "المهارت المعرفية" على حدِّ تعبير فيشر, والتي يحتاج إليها الراشدون في السياق الاجتماعي الذي يتعاملون معه على النحو الذي أوضحته لابوتي-فيف.
ويمكننا أن نخلص من العرض السابق بالقول بأنه توجد على الأقل ثلاث خصائص هامة في تفكير الراشدين تستحق الاهتمام هي:
1- تفكير الراشدين يتسم بالنسبية, وهو بذلك يختلف عن تفكير المراهقين الذي يميل إلى أن يكون مطلقًا؛ فالراشدون أكثر تقبلًا لوجود أنساق معرفية متنافسة ومتعارضة, وينشأ ذلك جزئيًّا من اتساع العالم الاجتماعي للراشد، والذي يشمل وجهات نظر مختلفة, وأدوارا اجتماعية عديدة, بل ومتنافسة.
2- يدرك الراشدون أن التناقض هو خاصية من خصائص عالم الحقيقة والواقع, ولا يحتاج الأمر إلى حل الصراعات والتناقضات المعرفية لكي يحقق الراشد توافقه وتكيفه مع البيئة المحيطة به، وإنما قد يتحقق هذا التكيف يتقبل هذه التناقضات, بل إن تفكير الراشدين لا يقبل هذه التناقضات في عالم الواقع فحسب, وإنما قد يسعى إليها, ويعتمد عليها للوصول إلى حلول جديدة للمشكلات, من خلال النشاط الإبداعي "التفكير من خلال إيجاد المشكلات".
3- يسعى الراشدون في تفكيرهم إلى إحداث التكامل, أو التركيب بين جوانب المعرفة المتناقضة للوصل إلى تكوينٍ جديدٍ أكثر شمولًا واتساعًا, يسميه بعض الباحثين "Commons et al 1982" ما بعد الأنساق. ومعنى ذلك أنه بينما نجد المراهق يقتصر في تفكيره على الوصول إلى نسقٍ من التفكير مجردٍ وواحدٍ وعام ومنظم حول مبادئ العمليات الصورية, فإن الراشد -على العكس من ذلك- يبدأ في النظر إلى المعرفة على أنها تكامل وتآزر بين أنساق متعددة متنافسة, فوجود مفاهيم مختلفة متعددة حول الدين والعلم مثلًا, والتي تبدو ظاهريًّا لدى المراهق متعارضةً في وصف وتفسير الأمور الدينية والدنيوية, فإن ذلك لا يُعَدُّ بالنسبة للراشد محيرًا, كما كان يبدو من قبل, فبدلًا من النظر إلى إجابة واحدة صحيحة فإن الراشد يدرك أن المعرفة هي دائمًا تكامل وتركيب بين وجهات النظر التي تبدو متعارضة "في مثال العلم والدين قد يتجه نحو البحث في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم مثلًا"، فكل خبرة ينظر إليها من زاوية مختلفة, أو من منظور مختلف, وتؤدي به إلى معلومات واستبصارات جديدة.
نام کتاب : نمو الإنسان من مرحلة الجنين إلى مرحلة المسنين نویسنده : آمال صادق جلد : 1 صفحه : 373