نام کتاب : تاريخ الفلسفة الحديثة نویسنده : يوسف مكرم جلد : 1 صفحه : 321
هو أيضًا تصنيف تعقل متناقص وتجربة متزايدة، أي: كلما نزلنا درجة قَلَّ مجال العقل البحت وازداد شأن التجربة. فالرياضيات في رأس الجدول لا تتبع علمًا آخر ويتبعها باقي العلوم؛ لأن موضوعاتها وقوانينها أكثر بساطة وكلية؛ وعلم الاجتماع في آخر الجدول يتبع سائر العلوم ولا يسيطر على علم؛ لأن موضوعاته وقوانينه أكثر تعقدًا وتخصصًا؛ وبالنزول من الرياضيات إلى علم الاجتماع نرى التركيب يتزايد والكلية تتناقص؛ وذلك لأن الرياضيات لا تنظر لغير الكم المجرد، وهو أبسط الأشياء وأقلها تعيينًا؛ فيضيف إليه علم الفلك معنى القوة فيدرس الأجسام الحاصلة على قوة جاذبة وهي الأجرام السماوية؛ وعلم الطبيعة يضيف الكيف إلى القوة فيدرس القوى المتمايزة بالكيف، كالحرارة والضوء؛ وتضيف الكيمياء الخصائص الملازمة لكل نوع كيميائي من الأجسام؛ ويضيف علم الحياة إلى المادة اللاعضوية التركيب العضوي والظواهر الخاصة به؛ ويضيف علم الاجتماع ما ينشأ بين الأحياء من روابط مستقلة عن تركيبها. ولئن كانت جميع العلوم محصلة بمنهج واحد كما سبق القول، فإن هذا المنهج يتعدل في كل علم تبعًا لموضوع هذا العلم: فالرياضيات، أو بالأحرى الحساب؛ لأنه أكثر بساطة وكلية من الهندسة والميكانيكا، يتضمن شروط العلم بالإطلاق أي: جميع أنواع التحليل والاستدلال، بحيث تعود العلاقات الرياضية فتظهر في العلاقات المعقدة, وهذا وجه التجانس ين العلوم؛ وعلم الفلك يعلمنا فن الملاحظة، فإنه يراجع بالاستقراء فروضًا يضعها بالقياس؛ ويعلمنا علم الطبيعة فن التجربة، وتعلمنا الكيمياء فن التصنيف، ويعلمنا علم الحياة الطريقة المقارنة، ويعلمنا علم الاجتماع الطريقة التاريخية. وكلما كان موضوع العلم بسيطًا كليًّا كانت الطريقة القياسية متقدمة فيه على الطريقة الاستقرائية. وأخيرًا: إن هذا الترتيب المنطقي مطابق لتدرج ظهور العلوم, أو بعبارة أدق: لتكونها تكونًا واقعيًّا، فإن الحالات الثلاث تبدو في تاريخ كل علم، فكلما كان موضوع العلم أعقد استغرق وقتًا أطول في اجتياز هذه المراحل. لذا كانت العلوم المجردة هي التي تبلغ أولًا المرحلة النهائية، ولا تبلغ إليها العلوم المشخصة إلا فيما بعد.
ب- نلاحظ على هذا التصنيف أربع ملاحظات: الأولى: أنه يبدأ بالكم، وهناك معانٍ أكثر منه بساطة وكلية, هي المعاني المعروضة في المنطق والميتافيزيقا،
نام کتاب : تاريخ الفلسفة الحديثة نویسنده : يوسف مكرم جلد : 1 صفحه : 321