responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية نویسنده : ابن حزم    جلد : 1  صفحه : 4
عليه من الشغب جوازا لا يفرق بينه وبين الحق، ولم يعلم دينه إلا تقليدا، والتقليد مذموم، وبالحرى إن سلم من الحيرة، نعوذ بالله منها. فلهذا وما نذكره بعد هذا، إن شاء الله، وجب البدار إلى تأليف هذا العلم، والتعب في شرحه وبسطه، بحول الله وقوته، فنقول وبالله نستعين:
إن جميع الأشياء التي أحدثها الأول، الذي لا أول على الإطلاق سواه، وقسمها الواحد الذي لا واحد على التصحيح حاشاه، واخترعها الخالق الذي لا خالق على الحقيقة إلا إياه، فان مراتبها في وجوه البيان أربعة، لا خامس لها أصلا وان تناقص منها واحد اختل من البيان بمقدار ذلك النقص.
فأول ذلك كون الأشياء الموجودات حقا في أنفسها، فانها إذا كانت حقا فقد امكنت استبانتها، وإن لم يكن لها مستبين، حينئذ، موجود، فهذه اول مراتب البيان؛ إذ ما لم يكن موجودا فلا سبيل إلى استبانته.
والوجه الثاني: بيانها عند من استبانها وانتقال أشكالها وصفاتها إلى نفسه، واستقراره فيها بمادة العقل الذي فضل به العاقل من النفوس، وتمييزه لها على ما هي عليه إذ من يبن له الشيء لم يصح له علمه ولا الإخبار عنه، فهذه المرتبة الثانية من مراتب البيان.
والوجه الثالث: إيقاع كلمات مؤلفات من حروف مقطعات، مكن الحكيم [[3]و] القادر لها المخارج من الصدر والحلق وأنابيب الرئة والحنك واللسان والشفتين والأسنان، وهيأ لها الهواء المندفع بقرع اللسان إلى سماخ الآذان، فيوصل بذلك نفس المتكلم مثل ما قد استبانته واستقر منها إلى نفس المخاطب، وينقلها إليها بصوت مفهوم بقبول الطبع منها للغة اتفقا عليها، فيستبين من ذلك ما قد استتبانته نفس المتكلم، ويستقر في نفس المخاطب، مثل ما قد استقر في نفس المتكلم، وخرج إليها بذلك مثل ما عندها، لطفا من اللطيف الخبير، لينتج بما وهب لنا من هذه الخاصة الشريفة، والقوة الرفيعة، والطبيعة الفاضلة

الفلسفية عامة دون تحقيق، وأولئك هم اللذين عناهم بقوله: " ولقد رأيت طوائف من الخاسرين شاهدتهم أيام عنفوان طلبنا، وقبل تمكن قوانا في المعارف، وأول مداخلتنا صنوفا من ذوي الآراء المختلفة، كانوا يقطعون بظنونهم الفاسدة من غير يقين أنتجه بحث موثوق به على ان الفلسفة وحدود المنطق منافية للشريعة " [1] ولعل بيئة قرطبة والأندلس عامة - يومئذ بمعاداتها لعلوم الأوائل - هي التي حفزت حب الاستطلاع لديه فجعلته يدرس الفلسفة والمنطق، ومن ثم قوي لديه الشعور بأن العلوم الفلسفية لا تنافي الشريعة، بل ان المنطق منها خاصة يمكن أن يتخذ معيارا لتقويم الآراء الشريعية وتصحيحها، وكان اتجاهه إلى مجادلة أهل المذاهب والنحل الأخرى يفرض عليه أن يتدرع بقوة منطقية في المناظرة والجدل. وهاتان الغايتان كانتا من أول العوامل التي حدت به إلى التأليف في المنطق ليثبت عدم التنافي بينه وبين الشريعة وليعزز به موقفه العقلي إزاء الخصوم ويضع فيه القواعد الصحيحة للجدل والمناظرة ويبين فيه حيل السفسطة والتشغيب.
وظل ابن حزم على رأيه هذا يؤمن بفائدة المنطق والفلسفة وسائر علوم الأوائل؟ ماعدا التنجيم -. فهو في رسالة " مراتب العلوم " ينصح الدارس أن يبدأ بعد تعلم القراءة والكتابة وأصول النحو واللغة والشعر والفلك، بالنظر في حدود المنطق وعلم الأجناس والأنواع والأسماء المفردة والقضايا والمقدمات والقرائن والنتائج ليعرف ما البرهان وما الشغب كلها ويميزها من الأباطيل تمييزا لا يبقى معه ريب [2] . ويسأله أحدهم رأيه في أهل عصره وكيف انقسموا طائفتين: طائفة اتبعت علوم الأوائل وطائفة اتبعت علم ما جاءت به النبوة ويطلب إليه ان يبين له أيهما المصيب، فيقول في الجواب: اعلم؟ وفقنا الله وإياك لما يرضيه - أن علوم الأوائل هي الفلسفة وحدود المنطق التي تكلم فيها أفلاطون وتلميذه ارسطاطاليس والاسكندر ومن قفا قفوهم، وهذا علم حسن رفيع لأنه فيه معرفة العالم كله بكل ما فيه من أجناسه إلى أنواعه، إلى أشخاص جواهره وأعراضه، والوقوف على البرهان الذي لا يصح شيء إلا به وتمييزه مما يظن من جهل أنه برهان وليس برهانا، ومنفعة هذا العلم عظيمة في تمييز الحقائق مما سواها؟ (3)

[1] التقريب: 115 - 116
[2] رسائل ابن حزم: 71 (ط. مصر) .
[3] المصدر نفسه: 43
نام کتاب : التقريب لحد المنطق والمدخل إليه بالألفاظ العامية والأمثلة الفقهية نویسنده : ابن حزم    جلد : 1  صفحه : 4
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست