وهذه الوسطية تميز المسلم عن غيره بمنهج حياته، ويقف صامدا ثابتا أمام تحديات العصر وتيارات مجريات الأحداث، ولا يكون حائرا مترددا على مفترق الطرق، ولا تذوب هويته في أمواج الأفكار المتعارضة، ولا يميل نحو الشرق ولا نحو الغرب، ولا يكون متساهلا مفّرطا حتى يكون علمانيا ولا متطرفا مكفرا أو مفسقا فيأتي إلى استخدام أساليب القسوة والعنف، وبهذه الوسطية أصبح الإسلام أسمى من النظم المدنية كلها، لأنه يشمل الحياة كلها ويهتم اهتماما متساوياً بالدنيا والأخرة وبالنفس والجسد معا، وبالفرد والمجتمع على المستوى الواحد. . . إنه لا يحملنا على طلب المحال ولكنه يهدينا إلى أن نستفيد أحسن الاستفادة مما فينا من استعداد وإلى أن نصل إلى مستوى أسمى من الحقيقة حيث لا نفاق ولا عداء بين الرأي وبين العمل [1] .
إن الإسلام ليس دينا كسائر الأديان، ولكنه شامل الجوانب: الاعتقاد والمجتمع والدولة ومختلف نظم الاقتصاد والسياسة والاخلاق، وإن ميزة الإسلام أنه نظرة كلية شاملة، وأنه لم يجزئ الحياة بل نظر إليها نظرة كلية كما نظر إلى الإنسان على أنه وحدة نفسية وجسمية لا تنفصل [2] . [1] الإسلام على مفترق الطرق، تأليف محمد أسد، ترجمة الدكتور عمر فروخ، ص 110، دار العلم للملايين. [2] المد الإسلامي في مطالع القرن الخامس عشر، أنور الجندي، ص 29، دار الاعتصام.