responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 502
الألوهية و"قضية" الكون المادي وما بينهما من علاقة، ويتشعب هذا الانحراف شعبا كثيرة في وقت واحد.
فأول انحراف هو محاولة إقحام العقل فيما ليس من شأنه أن يلم به فضلا عن أن يحيط بكنهه في قضية الذات الإلهيةز فمن باب احترام العقل لذاته ومعرفته لطبيعته وحدود مقدرته، ما كان لهذا العقل أن يقتحم ميدانا ليس بطبيعته مؤهلا لاقتحامه، ولا قدرة له على الخوض فيه.
إن المحدود لا يتسنى له أن يحيط بغير المحدود، والفاني لا قدرة له على الإحاطة بحقيقة الأزل والأبد حيث لا بداية ولا نهاية ولا حدود، إنما يستطيع العقل أن "يتصور" ذلك لونا من التصور، وأن يدرك أنه يمكن أن يوجد على هذه الصورة..أما أن يحيط "بكنهه" على أي نحو من الأنحاء فقضية أخرى خارجة عن نطاق العقل، وهي التي نقول إن احترام العقل لذاته ومعرفته لطبيعته وحدود مقدرته هي التي توجب عليه أن يتجنب الخوض فيها؛ لأنه لن يصل فيها إلى شيء له اعتبار.
وليس معنى هذا أن "الدين" كله أمر خارج عن نطاق العقل، أو أن الاعتقاد في وجود الله ومعرفة صفاته أمر لا نصيب فيه للعقل.
كلا.. إنما يدخل العقل إلى هذا الميدان من بابه الذي هو مؤهل بطبيعته أن يدخل منه، لا من الباب الذي لا يقدر على فتحه، والذي يضل فيه لو اقتحمه بغير أداته، يدخل من باب إدراك آثار القدرة الإلهية والاستدلال من هذه الآثار على وجود الله ومعرفة صفاته التي يتفرد بها دون الخلق، ولكن لا يدخل من باب "الكنه" الذي لا يقدر عليه ولا يصل إلى نتيجة فيه[1].
أرأيت لو أنك أدخلت مفتاحا في قفل أكبر منه، فظل يدور في القفل ويدور دون أن يصل إلى فتحه، فهل تظل تقول إن هذا المفتاح صالح لكل شيء، ولا بد أن تفتح به جميع الأبواب، ولو بقيت الدهور تدير المفتاح في القفل فلا يفتح لك الباب؟! أم تتواضع أمام الأمر الواقع وتقر بأن هذا المفتاح لا يصلح لذلك الباب، وتبحث له عن مفتاح آخر يناسبه، وتحتفظ بمفتاحك للباب الذي يحسن فتحه!
ليس العيب في القفل ولا في المفتاح! إنما العيب في أنك أنت تحاول أن تقتحم به بابا لا يقدر على اقتحامه!

[1] سنعود إلى تفصيل هذه النقطة عند بسط وجهة النظر الإسلامية في قضية العقل والعقلانية.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 502
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست