responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 496
العلمانية والإسلام:
إذا صحت دعوى العلمانيين في الغرب بالنسبة للدين الكنسي أنهم يتعايشون معه ويتعايش معهم دون تدخل من أحدهما في شئون الآخر -وهي كما رأينا ليست صحيحة في الحقيقة- فإنها بالنسبة للإسلام لا تصح على الإطلاق!
لقد كان الدين الكنسي منذ اللحظة الأولى دينا يهتم بالآخرة ويدير ظهره للحياة الدنيا، نتيجة ما دخل فيه من تحريف فصل الشريعة فيه عن العقيدة، وجعله عقيدة صرفا إلا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية، ومع ذلك فقد كان العمل من أجل الآخرة يلقي أثره على الحياة الدنيا، قصد الناس أم لم يقصدوا، ووعوا ذلك في إدراكهم أم لم يعوه، فكان ذلك الدين -رغم التحريف الضخم في كل جوانبه- يعطي آثارا واقعية في حياة الناس وسلوكهم، وتصوراتهم ومشاعرهم، وهي التي جاءت العلمانية لتزحزحها من مكانها رويدا رويدا حتى أجلتها إجلاء كاملا، فلم يعد للدين عند الأكثرية العظمى من الناس في الجاهلية المعاصرة مكان على الإطلاق، وبقي عند الأقلية "المتدينة" مجرد مشاعر ووجدانات, وعلى الأكثر بعض "العبادات" ولكن هذه وتلك لا تحكم شيئا في واقع الحياة، وبهذا وحده -أي: بمسخ الدين على هذه الصورة المزرية- أصبحت العلمانية تتعايش -على مضض! - مع الدين! وقد كان هذا مسخا بالنسبة للدين الكنسي ذاته، الذي شوهته الكنيسة حتى قطعت صلته بالأصل السماوي.. فيكف يكون الأمر بالنسبة لدين الله الحق؟!
إن الدين الحق لا يمكن ابتداء أن يكون عقيدة مفصولة عن الشريعة.. فالالتزام بالشريعة -في دين الله الحق- هو مقتضى العقيدة ذاتها.. مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. بحيث لا تكون الشهادة صحيحة وقائمة إن لم تؤد عند صاحبها هذا المعنى.. وهو الالتزام بما جاء من عند الله، والتحاكم إلى شريعة الله، ورفض التحاكم إلى أي شريعة سوى شريعة الله.
{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [1].
يقول ابن تيمية في كتاب الإيمان "ص33 من طبعة دار الطباعة المحمدية بالقاهرة":
"والمقصود هنا أن كل ما نفاه الله ورسوله من مسمى أسماء الأمور الواجبة كاسم الإيمان والإسلام والدين والصلاة والصيام والطهارة والحج وغير ذلك فإنما يكون لترك واجب في ذلك المسمى.. ومن هذا قوله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} فلما نفى الإيمان حتى توجد هذه الغاية دل ذلك على أن هذه الغاية فرض على الناس فمن تركها كان من أهل الوعيد".

[1] سورة النساء: 65.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 496
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست