responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 48
وقد قامت قيامة الكنيسة عليهم وعلى غيرهم فأحرقت من أحرقت، وعذبت من عذبت، وهددت من هددت بالتعذيب والحرق في النار إن لم يكفوا عن هذه "الهرطقة" التي تقول إن الأرض كروية وإنها ليست مركز الكون! [1] بحجة أن التوراة قالت إن الأرض مستوية "أي: مسطحة" وإنها هي مركز الكون، والإنسان مركز الوجود!
ويقول التاريخ الأوروبي: إن الكنيسة قد فزعت فزعتها تلك حفاظًا على كيانها، الذي يقوم على الخرافة ويستند إلى انتشار الجهل بين الجماهير وإنها خشيت على هذا الكيان أن يتصدع وينهار إذا انتشر العلم، وتبين الناس أن ما تقوله الكنيسة ليس هو الحقيقة المطلقة في كل شيء.
ولا شك أن هذا -في جملته- صحيح.
ولكن هذه المقالة تغفل شيئين مهمين في هذا الشأن: أولهما؛ عن غفلة والثاني؛ عن قصد!
أما الأول: فهو أن آباء الكنيسة ورجالها كانوا مخلصين في صيحتهم -في أول الأمر على الأقل- لأنهم كانوا يتصورون أن ما جاء في التوراة حقيقة، وأن تفسيرهم له هو الصحيح. وسبب ذلك هو الجهالة التي كانت مخيمة على أوروبا كلها، وعلى رجال الدين فيها بصفة خاصة، فقد كانوا من أقل الناس ثقافة ومن أبعدهم عن تعلم العلم الصحيح -إن وجد- اكتفاء بالمجد الروحي والسلطان الطاغي والأموال الطائلة التي يتمتعون بها بوصفهم "رجال الدين"!
إنما يجوز بالفعل أن يكونوا قد استمروا في حرب العلم -عن وعي وعمد- فيما بعد خوفا على سلطانهم أن يتصدع حين يكتشف الناس أن شيئًا مما يقولونه كاذب لا أساس له، فيكون وجودهم كله عرضة لأن يوضع موضع التساؤل والمساءلة.. فينهار!
أما الأمر الثاني: الذي يغفله المؤرخون الأوروبيون عن عمد -رغم ظهوره- فهو أن هذا العلم الذي قامت الكنيسة بحربه كان آتيا من مصادر إسلامية، وكان يحمل معه خطر انتشار الإسلام في أوروبا ومن ثم انهيار الكنيسة ذاتها حين ينهار الدين الذي تمثله وتدعي حمايته!

[1] مات كوبر نيكوس قبل أن يقع في قبضة محاكم التفتيش, أما جوردانوبرونو فقد أحرق حيا, وأما جاليليلو فقد سجن حتى أشرف على الهلاك فتراجع -ظاهريا- عن متقداته وإن ظل مقتنعًا بها في الحقيقة.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 48
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست