responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 32
ذلك الإذلال الروحي الذي كان يمارسه رجال الدين على الناس، أو الذل الروحي الذي كان يمارسه الناس لرجال الدين -وكلاهما سواء في دلالته- فيصف شارعا من شوارع باريس وهي يومئذ غيرها اليوم ... والمطر ينهمر بقوة، والشارع مملوء بالطين والأقذار والوحل، وموكب الكاردينال على حصانه يمر في الطريق، والناس محتشدة على الصفين ترقب ذلك المشهد بقلوب خائفة واجفة، وتنتظر اللحظة الهائلة التي يحاذي الموكب فيها رءوسهم، فتهوي هذه الرءوس خشوعا -أو مذلة!! - للموكب الموقر، وتظل تهوي حتى تلتصق بالأرض ... في الوحل والطين والقاذورات!
بأبي أنت وأمي يا رسول الله!
"لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم" [1].
"إنما أنا ابن امرأة من مكة كانت تأكل القديد" [2].
ولم يكن ذلك هو الباب الوحيد للطغيان الروحي الذي مارسته الكنيسة ورجال الدين.. ففي صلب العقيدة المسيحية كانت هناك أبواب للطغيان..
فهناك "الأسرار" التي لا يعلم تأويلها إلا الراسخون ... لا في العلم ولكن في الكهنوت!
أسرار التثليث.. والعشاء الرباني الذي يتحول فيه جسد المسيح إلى خبز ودماؤه إلى خمر! وما إلى ذلك من معتقدات وطقوس.
ولئن كانت هذه القضية داخلة في الطغيان العقلي والفكري -من حيث حظر التفكير فيها ومناقشتها، ووجوب التسليم الأعمى بها، وسنتكلم عنه بهذه الصفة هناك- فإننا نتحدث هنا عن جانبها الروحي. ذلك أنها عندهم من صلب العقيدة.. والمفروض في العقيدة أن تكون خالصة بين القلب البشري وبين الله لا يعترضها في الطريق معترض؛ لأنها هي الصلة المباشرة التي تربط قلب المؤمن بالله.. إنما ينزل الله كلماته على رسله لتبين للناس حقيقة الألوهية.. ثم ينعقد الإيمان في داخل القلب البشري فيتجه مباشرة إلى الله.
وبصرف النظر عما في تلك "العقيدة" من زيف, ما أنزل الله به من سلطان، فإنها -عندهم- هي العقيدة! بل هي العقيدة الصحيحة التي لا يقبل من أحد

[1] رواه البخاري.
[2] رواه ابن ماجه.
نام کتاب : مذاهب فكرية معاصرة نویسنده : قطب، محمد    جلد : 1  صفحه : 32
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست