.. أما ما احتجوا به من خبر عائشة – رضى الله عنها – لما قال لها ابن الزبير – وهو ابن أختها – يا أماه: هل رأى محمد ربه؟ فقالت: يا ابن أختى لقد وقف شعر بدنى، والله تعالى يقول: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} [1] . وفى رواية قالت: "من زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم، رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية … قال تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} [2] .
... قالوا: فموضع الدليل من الخبر أنها أكبرت ذلك ونفت الرؤية عن الله تعالى، فدل أن ذلك مستحيل فى حقه سبحانه وتعالى، كما قالوا بتعارض الخبرين [3] .
قال القاضى الباقلانى والجواب على ذلك من أوجه:
أولهما: أن ابن عباس رضي الله عنه وغيره من الصحابة قد صرحوا بأن محمداً صلى الله عليه وسلم، رأى ربه ليلة أسرى به بعينى رأسه، ولو كان ذلك مستحيلاً لم يقع الخلاف فيه بين الصحابة، كما لم يقع بينهم الخلاف فى ما هو مستحيل على الله تعالى من الولد والزوجة، والشريك، ونحو ذلك. فلما وقع بينهم الخلاف فى ذلك وانقرض عصرهم على ذلك، دل على أن الرؤية جائزة غير مستحيلة. فبطل ما ذكر. [1] الآية 51 من سورة الشورى. [2] الآية 103 من سورة الأنعام، والحديث أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب التفسير، باب فى سورة النجم8/472 رقم 4855، ومسلم (بشرح النووى) كتاب الإيمان، باب معنى قول الله عز وجل: ولقد رآه نزلة أخرى، وهل رأى النبى ربه ليلة الإسراء 2/8، 9 رقم 177. [3] انظر: الإنصاف ص 186، وشرح الأصول ص 267-270.