.. يقول الأستاذ الصديق بشير: "وسبب فساد هذا الزعم لو أحسنا الظن بقائليه من المستشرقين؛ أن المنهج النقدى للأخبار عند الغربيين منصب على المتن وحده، ولم ينل السند عندهم كبير نصيب لأنهم لا يعولون عليه، وإن تكلموا عن السند فلا يتعدى بعض المفاهيم النظرية التى ليس لها رصيد فى واقعهم النقدى وذلك مخالف للمنهج النقدى عند المسلمين فقد طبق عملياً بشكل واسع ومنقطع النظير، وهى قفزة عريضة لم يصلها الأوربيون حتى اليوم، وأنى لهم ذلك وأخبارهم القديمة منقطعة الأسانيد قد يئسوا أن يصلوها [1] .
ورحم الله ابن حزم إذ يقول: "نقل الثقة عن الثقة يبلغ به النبى صلى الله عليه وسلم مع الاتصال، خص الله به المسلمين دون سائر الملل، وأما مع الإرسال والإعضال، والطرق المشتملة على كذاب أو مجهول الحال، فكثير فى نقل اليهود والنصارى [2] ، وغيرهم من أهل الملل الأخرى وأهل البدع والأهواء.
... ويبدو تهافت دعوى تقصير المحدثين فى نقدهم للمتن بما اشترطه أصحاب الحديث لصحة الخبر، وبما وضعوه من علامات يعرف بها وضع الخبر.
وكيف يهملون ضبط المتن وما قام علم الحديث دراية إلا لخدمة علم الحديث رواية!! وبتعبير آخر ما كانت علوم الحديث بأسرها إلا لضمان ضبط المتن، والتأكد من صحة نسبته إلى النبى صلى الله عليه وسلم.
... ولا نبالغ إذا قلنا أن الشروط الخمسة التى وضعها علماء الحديث لصحة الخبر كلها شروط لضبط المتن، وما يبدو من ظاهر الشروط لضبط السند هو فى حقيقة الأمر يتعلق بالمتن ظاهراً وباطناً.
فالشروط الثلاثة الأولى لصحة الخبر وهى اتصال السند، وعدالة الراوى، وضبط الراوى هى فى الظاهر شروط خاصة بضبط السند. وفى الحقيقة أن فقدان أى شرط منهم يخل بضبط المتن. [1] ضوابط الرواية عند المحدثين ص 39، 40. [2] الفصل فى الملل والنحل 2/81 – 84 بتصرف، وانظر: تدريب الراوى 2/159.