إن الله تعالى لم يطالبنا إلا بالظن الذى يغلب صدقه، أما الوصول إلى اليقين القاطع الذى ليس معه أى احتمال، فهذا لا يطلب من الإنسان المسلم، إذ ليس فى مقدوره أن يصل إلى اليقين، ولهذا عندما تكلم العلماء عن القرآن الكريم قالوا: إن بعضه قطعى الثبوت قطعى الدلالة، وبعضه قطعى الثبوت ظنى الدلالة، وقد قال تعالى فى محكم كتابه: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُءَايَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَءَامَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [1] فالراسخون فى العلم هم الذين يعودون بالمتشابه إلى المحكم، ويفهمون بذلك الجميع، ومن يطلع على علم أصول الفقه يتبين الفروق بين العموم والخصوص، ودلالات الألفاظ على المعانى ودرجة تلك الدلالة مما جرى فيه اختلاف العلماء فى كل زمان، وفهمهم من كتاب الله تعالى، مما يدل على أننا لسنا متعبدين باليقين ….
فقد أوجب الله تعالى علينا قبول قول شاهدين والعمل بمقتضى شهادتها فى إثبات الحقوق، والدماء، ولا شك أن خبر الشاهدين هو خبر آحاد ومع ذلك فخبرهما معتبر شرعاً [2] .
... أما ما استدلوا به من الأخبار والآثار المرفوعة والموقوفة على عدم حجية خبر الواحد فهو أيضاً حجة عليهم لا لهم.
لأن الأخبار والآثار السابقة قبلها من توقف فيها، بموافقة راوى آخر، ولم تبلغ بذلك رتبة التواتر، ولا خرجت عن رتبة الآحاد.
... فانضمام أبى بكر وعمر وغيرهما، مع خبر ذى اليدين عمل بخبر آحاد. [1] الآية 7 من سورة آل عمران. [2] ظاهرة رفض السنة وعدم الاحتجاج بها للدكتور صالح أحمد رضا ص 58-60.