.. فما زعموه من أن العمل بخبر الواحد اقتفاء ما ليس لنا به علم استناداً إلى قول رب العزة {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [1] .
فهذه الآية حجة لنا عليهم فى هذه المسألة، لأنا لم نقف ما ليس لنا به علم، بل قد صح لنا به العلم من انعقاد إجماع من يعتد به على حجية خبر الواحد ووجوب العمل به، والإجماع قاطع فاتباعه لا يكون اتباعاً لما ليس لنا به علم، ولا اتباعاً للظن [2] .
قال الشوكانى: "ولا نزاع فى أن خبر الواحد إذا وقع الإجماع على العمل بمقتضاه فإنه يفيد العلم، لأن الإجماع عليه قد صيره من المعلوم صدقه، وهكذا خبر الواحد إذ تلقته الأمة بالقبول … ومن هذا القسم أحاديث صحيحى البخارى ومسلم - رحمهما الله تعالى [3] - فسقط اعتراضهم بهذه الآية.
... أما ما ضلل به أهل الزيغ والهوى من ربط ظنية خبر الآحاد، بالظن الوارد فى قوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ} [4] وقوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [5] وقوله صلى الله عليه وسلم: "إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث" [6] . [1] الآية 36 من سورة الإسراء. [2] انظر: الإحكام للآمدى 1/35، 46، والإحكام لابن حزم 1/111. [3] إرشاد الفحول للشوكانى 1/212، 213. [4] الآية 23 من سورة النجم. [5] الآية 28 من سورة النجم. [6] أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الأدب، باب "يَاأَيُّهَا الَّذِينَءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ" 10/499 رقم 6066، ومسلم (بشرح النووى) كتاب البر والصلة، باب تحريم الظن، والتجسس، والتنافس، والتناجش وغيرها 8/361 رقم 2563 من حديث أبى هريرة رضي الله عنه.