.. وسر كل هذا الاهتمام بهذه المسألة وحكمته، أن هذه المسألة من أهم قواعد الدين وأشدها عند علماء المسلمين إذ ينبنى عليها معظم أحكام الشرع، ويتوقف على إثباتها كثير من معرفة الحلال والحرام، كما يترتب على إثباتها طلب العمل بالأوامر والنواهى النبوية التى لم يثبت أغلبها إلا عن طريق خبر الواحد" [1] .
... وإذا كان هناك خلاف بين العلماء فى الدرجة التى يفيدها خبر الواحد من علم أو ظن، فإن هذا الخلاف لم يوجد بين من يعتد بهم - فى حجية خبر الواحد، ووجوب العمل به، حتى من قال منهم بأن درجة خبر الآحاد الظن.
... فالذى عليه السلف الصالح من الصحابة، والتابعين، وأصحاب الحديث، والفقه والأصول، أن خبر الواحد حجة من حجج الشرع يحتج به، ويلزم من بلغه العمل به، ولو لم يحتف بقرائن خارجية، تدل على تأكيد طلب العمل به، إذا كان هذا الخبر عند أهل الحديث مقبولاً، بأن تحققت فيه الشروط الخمسة المتفق عليها لصحة الحديث،من اتصال السند، وعدالة الراوى، وضبطه، وعدم الشذوذ، وعدم العلة [2] .
... وهاك بعض أقوال أهل العلم فى حجية خبر الواحد، ووجوب العمل به، متى صح.
قال شمس الأئمة السرخسى: "خبر الواحد حجة باعتبار أنه كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله حجة موجبة للعمل، ولكن امتنع بثبوت العلم به لشبهة فى النقل" [3] .
وقال أيضاً: "قال فقهاء الأمصار - رحمهم الله -، خبر الواحد حجة للعمل به فى أمر الدين، ولا يثبت به علم اليقين، وقال بعض من لا يعتد بقوله: خبر الواحد لا يكون حجة فى الدين أصلاً [4] . [1] مقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/55، 56، وانظر: المدخل إلى السنة النبوية لفضيلة الأستاذ الدكتور عبد المهدى مبحث (الآحاد هو المعول عليه فى الإسلام) ص 273. [2] مقاصد الحديث فى القديم والحديث 2/56. [3] أصول السرخسى 1/298. [4] المصدر السابق 1/321.