وفى ذلك يقول: يحيى بن أكثم [1] : ليس من العلوم كلها علم هو واجب على العلماء، وعلى المتعلمين، وعلى كافة المسلمين، من علم ناسخ القرآن ومنسوخه، لأن الأخذ بناسخه واجب فرضاً، والعمل به واجب لازم ديانة، والمنسوخ لا يعمل به، ولا ينتهى إليه، فالواجب على كل عالم علم ذلك لئلا يوجب على نفسه، وعلى عباد الله أمراً لم يوجبه الله أو يضع عنهم فرضاً أوجبه الله" [2] .
... وقد اهتم السلف الصالح بمعرفة الناسخ والمنسوخ، وأولوه عناية كبيرة منذ عصر الصحابة والتابعين فمن بعدهم من أئمة المسلمين إلى يومنا هذا.
فعن عبد الله بن حبيب السلمى [3] قال: "مر على بن أبى طالب رضي الله عنه على قاصٍ فقال: أتعرف الناسخ من المنسوخ؟ قال: لا. قال "هلكت وأهلكت" [4] .
وعن محمد بن سيرين، قال: سئل حذيفة عن شئ فقال: إنما يفتى أحد ثلاثة: من عرف الناسخ والمنسوخ، قالوا: ومن يعرف ذلك؟ قال عمر، أو رجل ولى سلطانً، فلا يجد من ذلك بدا أو متكلف" [5] . [1] يَحْيَى بنُ أَكْثَم هو: ابن محمد بن قطن التميمى، المروزى، أبو محمد، القاضى المشهور، فقيه صدوق، إلا أنه رمى بسرقة الحديث، ولم يقع ذلك له، وإنما كان يرى الرواية بالإجازة والوجادة، مات سنة 243هـ وقيل قبل ذلك. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 2/297 رقم7534، والكاشف الذهبى 2/361 رقم 6133، ولسان الميزان 9/282 رقم 14823، وتهذيب الكمال 31/207 رقم 6788. [2] بيان العلم وفضله لابن عبد البر، باب بيان أنه ليس من العلوم علم واجب إلا العلم بناسخ القرآن ومنسوخه 2/28. [3] هو: أبو عبد الرحمن، عبد الله بن حبيب السلمى الكوفى، متفق على توثيقه مات 73هـ تقريباً. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/485، 486 رقم 3282، والكاشف 1/544 رقم 2681، والثقات للعجلى ص 253 رقم 792. [4] الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ للحازمى ص 48، والناسخ والمنسوخ للزهرى ص 15. [5] الاعتبار فى الناسخ والمنسوخ ص 49.