.. وهذا ابن عباس -رضى الله عنهما- يأتيه من يحدثه، فلا يلتفت لحديثه، تطبيقاً لقاعدة (إن من لا يعرف حاله لا يقبل حديثه) جاء بُشَير العدوى [1] إلى ابن عباس فجعل يحدث ويقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجعل ابن عباس لا يأذن لحديثه ولا ينظر إليه، فقال: يا ابن عباس، مالى لا أراك تسمع حديثى؟ أحدثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تسمع؟ فقال ابن عباس: "إنا كنا مرة إذا سمعنا رجلاً يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ابتدرته أبصارنا، وأصغينا إليه بآذاننا، فلما ركب الناس الصعب والذلول، لم نأخذ من الناس إلا ما نعرف" وفى رواية عن ابن عباس قال: "إنا كنا نحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ لم يكن يكذب عليه فلما ركب الناس الصعب والذلول، تركنا الحديث عنه" [2] .
كما كان الصحابة - رضي الله عنهم -أول من نبهوا إلى صفة من يقبل حديثه ومن يرد. ويروى لنا الخطيب فى ذلك، عن ابن عباس -رضى الله عنهما- أنه قال: "لا يكتب الحديث عن الشيخ المغفل" [3] .
... فهذه النصوص وغيرها مما سبق [4] ، تدل بجلاء على تشمير الصحابة لتحذير الناس من الوقوع فى أحابيل الكذب، كما تدل على أنهم لم يكونوا فى غفلة عن ظاهرة الوضع، بل انتبهوا لها، وقاوموا الوضاعين بالتشهير والتحذير. [1] بُشَير العدوى هو: بُشَير - مصغراً - ابن كعب بن أبى الحميرى العدوى أبو أيوب البصرى، ثقة مخضرم. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1/133 رقم 731، والكاشف 1/272 رقم 614، والثقات للعجلى ص 83 رقم 159، والتعريف برواة مسند الشاميين ص 65 رقم 79. [2] الآثار السابقة سبق تخريجها ص 277، 327. [3] الكفاية فى علم الرواية ص 233. [4] راجع: قول سيدنا عثمان ومعاوية رضى الله عنهما فى الجواب عن شبهة نهى الصحابة عن الإكثار من الرواية دليل على عدم حجية السنة، واتهام من أبى بكر وعمر للصحابة بالكذب ص326.