سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر من بعده سنناً الأخذ بها تصديق بكتاب الله صلى الله عليه وسلم، واستكمال لطاعة الله وقوة على دين الله، من عمل بها؛ فهو مهتد، ومن استنصر بها؛ فهو منصور، ومن خالفها؛ اتبع غير سبيل المؤمنين، وولاه الله ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً [1] .
وإذا كان عمل الصحابة رضي الله عنهم يطلق عليه لفظ السنة - فلا يعنى هذا أن السنة معناها فى صدر الإسلام "العادات والتقاليد الوراثية فى المجتمع العربى الجاهلى، ثم نقلت إلى الإسلام" كما زعم جولدتسيهر وغيره، لأن تلك الادعاءات كما قال الدكتور الأعظمى تخالف مخالفه جذرية ما دلت عليه النصوص القطعية والتى تفسر بعضها بعضاً. لما رواه أحمد فى مسنده عن سالم [2] قال "كان عبد الله بن عمر [3] يفتى بالذى أنزل الله عزَّ وجلَّ من الرخصة بالتمتع، وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فيه: فيقول ناس لابن عمر: كيف تخالف أباك؟ وقد نهى عن ذلك، فيقول لهم عبد الله ويلكم ألا تتقون الله إن كان عمر نهى عن ذلك فيبتغى فيه الخير، يلتمس به تمام العمرة، فلم تحرمون ذلك؟ وقد أحله الله وعمل به رسول الله صلى الله عليه وسلم. أفرسول الله صلى الله عليه وسلم. أحق أن تتبعوا سنته أم سنة عمر" [4] .
فدل ذلك على أن لفظ "السنة" فى صدر الإسلام كان معلوماً بأنها سنة النبى صلى الله عليه وسلم. وليس ما كان معروفاً مألوفاً فى الجاهلية، إذ لو كان الفرق الشائع، أو تقاليد المجتمع الجاهلية هما "السنة" فكيف نفسر قول ابن عمر هذا؟ [5] . [1] أخرجه الخطيب فى الفقيه والمتفقة، باب القول فى أنه يجب إتباع ما سنه السلف من الإجماع والخلاف وأنه لا يجوز الخروج عنه1 /435رقم 455، والآجرى فى الشريعة ص48،65،306، وابن عبد البر فى جامع بيان العلم، باب الحض على لزوم السنة والاقتصار عليها 2 /187. [2] سالم: هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب القرشى العدوى، أبو عمر أو أبو عبد الله، المدنى، أحد الفقهاء السبعة، وكان ثبتاً عابداً فاضلاً، يشبه أبيه فى الهدى والسمت. روى عن أبيه وأبى هريرة، وعنه الزهرى، وصالح بن كيسان. مات سنة 106هـ. له ترجمة فى: تقريب التهذيب 1 /335 رقم 2182، والكاشف 1/422 رقم 1773، والجرح والتعديل 3 /168، وتاريخ الثقات للعجلى ص 174 رقم 499، ومشاهير علماء الأمصار ص 85 رقم 438. [3] عبد الله بن عمر: صحابى جليل له ترجمة فى: الإصابة 2 /347 رقم 4852، والاستيعاب 3 /340 رقم 1630، واسد الغابة 3 /336 رقم 3082 وتذكرة الحفاظ 1 /37 رقم 17، وتاريخ الصحابة 149 رقم 719، ومشاهير علماء الأمصار ص 23 رقم 55، وتجريد أسماء الصحابة 1 /325. [4] أخرجه أحمد فى مسنده 2 /95. [5] دراسات فى الحديث النبوى للدكتور الأعظمى 1 /5-11 بتصرف، وانظر: السنة فى مواجهة أعدائها ص 36 وما بعدها.